وهكذا نلاحظ أن جمعية الطلبة في تونس كانت في مرحلتها الأولى وطنية باديسية الاتجاه وفي مرحلتها الثانية وطنية مصالية الاتجاه.
ولذلك لا نستغرب أن يتمسك كل فريق باتجاهه بعد ذلك وأن تنشأ في تونس جمعيتان للطلبة الجزائريين في فاتح الخمسينات من القرن العشرين: جمعية الطلبة وهو الاسم القديم وجمعية البعثة وهو الاسم الجليد، والأخيرة هي التي عادت بأتباعها إلى الاتجاه الباديسي باعتباره هو الاتجاه الأصلي، وبين ١٩٤٨ و ١٩٥٤ خف نشاط جمعية الطلبة ربما لميول الطلبة نحو الدراسة بدل السياسة وربما للأزمة التي عرفها حزب الشعب وهي الأزمة التي كادت تصيب نشاط خلايا الحزب بالشلل.
وقد عشت شخصيا هذه الفترة بتونس وعرفت بعض مجرياتها وقادتها، ومما يكر أن جمعية العلماء قد عينتني سنة ١٩٥٢ مسؤولا على جمعية البعثة التي حلت محل جمعية الطلبة في شارع عبد الوهاب برحبة الغنم بينما بحثت جمعية الطلبة عن مكان آخر لها لأن مركز شارع عبد الوهاب كان حسبما فهمت عندئذ مؤجرا من قبل جمعية العلماء من السيد علالة.
ومهما كان الأمر فإنني أذكر أن من بين الأنشطة التي قامت بها جمعية البعثة شتاء سنة ١٩٥٢ تمثيل رواية (الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز) بإشراف السيد محمد الحبيب التونسي، فقد سافرنا بها إلى الجزائر ومثلناها في عدد من المدن (قسنطينة، جيجل، باتنة ...) وجمعنا منها تبرعات مالية للقيام بنشاطنا في تونس، وكانت تلك الجولة قد جعلتني أكتشف مناطق هامة من الجزائر في وقت مبكر من حياتي، ومن الأنشطة التي قامت بها جمعية البعثة إجراؤها مسابقة بين الطلبة الجزائريين عنوانها (أملك في مستقبل بلادك)، وقد اشترك فيها عدد من الطلبة وتكونت لها لجنة تحكيم من أساتذة جامع الزيتونة، وفازت فيها مجموعة من الطلبة منهم عبد الله ركيبي ومحمد الدريدي ومحمد بغدادي، وقد نشرت أعمالهم مع صورهم في جريدة