كان ذلك دليلا على صحة محتواه أو عدم الاهتمام به أصلا؟ يبدو أن ذلك يشمل الاثنين معا، أولا نلاحظ أن أعضاء اللجنة قد توزعوا المهام فمنهم من كتب الديباجة وتناول الخط التاريخي والفلسفي للمشروع، ومنهم من كتب له الرؤية الاقتصادية، ومنهم من كتب عن الرؤية المستقبلية للثقافة، ثانيا نلاحظ أنه ليس كل أعضاء المجلس كانوا قادرين على فهم ومناقشة وثيقة عميقة الفكر تتحدث عن التجارب المعاصرة في الاقتصاد والفكر وتحيل على مراجع أوروبية قديمة وحديثة، ثالثا ليس كل الأعضاء كانوا مهتمين بالمسقبل بقدر اهتمامهم بالحاضر، كيف سيدخلون الجزائر وما موقعهم في التركيبة السياسية الجديدة، ولذلك فإن الموافقة السريعة على البرنامج ليس دليلا على التوافق والرضا، فمعظم الحاضرين لم يعطوا البرنامج الاهتمام الجدير به، وهكذا بقي البرنامج لا يلزم بالأساس حتى الذين وضعوه.
تحدث البرنامج على التوجه الثقافي للجزائر المستقلة ولكن مرجعيته كانت أوروبية لا عربية إسلامية، فإذا ذكرت الحضارة الإسلامية فإن محرري البرنامج يسارعون إلى وضع النعوت والتحديدات لها حتى لا تفهم على إطلاقها أو أنهم يتبنونها لتسيير الجزائر المستقلة، أما الذي ركز عليه البرنامج بالتعريف والتحليل فهو الميزات الثلاث للثقافة الجزائرية الجديدة وهي الوطنية والعلمية والثورية، وقد تكرر وصف العلمية أكثر من مرة مما يفهم منه أن الاشتراكية المبشر بها هي اشتراكية علمية، أي الماركسية رغم أن محرري الوثيقة لا يكتبونها صراحة، ولعل هذا ما جعل ابن خدة يصف أصحاب هذه الاشتراكية بحسن النية، وهو الذي رأى أن الاشتراكية المتفق عليها في طرابلس والتي تبناها مؤتمر الجزائر (سنة ١٩٦٤) قد تحولت في ميثاق سنة ١٩٧٦ إلى اشتراكية علمية، أي ماركسية - لينينية، وهي في نظره تختلف تماما عن الإسلام لأنها نظرية مادية محض وتدعو صراحة إلى صراع الطبقات (١).