للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتجاوز السابعة والثلاثين، واعتبره النقاش أبرز كتاب جيله، وأنه بدأ الكتابة بالفرنسية مبكرا، ونظم الشعر وعمره خمس عشرة سنة، وكان يقيم عندئذ في تلمسان بعد أن كان غادرها إلى فرنسا ثم رجع إليها، وقال إن له ثلاثة أولاد لا يعرفون أيضا غير الفرنسية، وهو الأمر الذي جعل ديب حزينا وساخطا على هذا الوضع غير الطبيعي حتى أنه قال لأحد الفرنسيين ذات مرة، وهو يحاوره (وكان هذا الفرنسي متحمسا للاستعمار، واسمه روبير كامب): (هل تظن أنه سواء لدي أن يعرف أولادي لغتهم العربية أو لا يعرفوا سوى اللغة الفرنسية التي بها أكتب؟ وأضاف النقاش أن لمحمد ديب إنتاجا خصبا، فله رواية كبيرة عن الجزائر تتألف من ثلاثة أجزاء هي: البيت الكبير والحريق و (النول) أو المنسج، كما له مجموعة قصص بعنوان (في المقهى)، ومقالات وقصائد عديدة، وكان ذلك بالطبع قبل أن ينشر محمد ديب أعمالا أخرى أصبحت الآن معروفة.

وعند رجاء النقاش أن الظاهرة البارزة في أدب محمد ديب هي أن أعماله مصبوغة إلى حد العنف بالمأساة التي تعيشها الجزائر تحت الاستعمار، ونماذجه منتقاة من واقع الحياة التي جربها مع أبناء وطنه، ثم إن الجزائر فريدة في الاستعمار، فكل فرد فيها ذاق وبال الاستعمار بنفسه، والاستعمار هنا ليس قوة عسكرية واقتصادية فقط، ولكنه هو كل ذلك زيادة على القوة الثقافية، واضطهاد الحياة اليومية المتمثل في الإدارة والمدارس والمتاجر، فالجزائري يعيش هذه المواجهة يوميا وفي مختلف المجالات، ورغم القتل والحرق والضحايا فإن ديب احتفظ بمستواه الفني في رواياته إلى الحد الذي وصل به إلى العالمية، كما أن له روحا شعرية خصبة، وهو يتحدث على لسان أبطال واثقين بالنصر رغم المعاناة، وليس هناك غرابة في لغة محمد ديب فقد بدأ حياته بنظم الشعر وله في ذلك ديوان، كما كان أدبه نابعا من حضارة عريقة كانت تمثلها تلمسان التي حافظت على طابعها الحضاري رغم الفقر والحرمان (١).


(١) رجاء النقاش، مجلة الإذاعة المصرية، ٢٩ مارس ١٩٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>