العواصم التي اعترفت حكوماتها بالحكومة المؤقتة، ولكن اسم بعثة جبهة التحرير بقي يطلق على المكتب الإعلامي في العواصم التي لم تعترف بالحكومة، بقي أن نقول إن هناك دولا لم يكن فيها للجبهة أي تمثيل لا في شكل بعثة ولا في شكل سفارة، فكان الحل هو العمل من داخل السفارات العربية في هذه الدول.
كانت البعثات أو السفارات تقوم بأعمال متعددة لصالح القضية الجزائرية في النطاق الذي تسمح به الأعراف الدولية، ومن أبرز تلك الأعمال إصدار النشرات والتصريحات وتوزيع جريدة المجاهد والاتصال بوسائل الإعلام المحلية وتقديم البيانات في الصحف والإذاعات المحلية وتصحيح الصورة عن الحرب الدائرة ضد الاستعمار ومقاومة الدعاية الفرنسية، كما كانت تتلقى الأخبار العسكرية وغيرها وتعمل كصلة وصل بين أجهزة الثورة والبلد المضيف، ومعظم البعثات كانت تصدر نشرات يومية تحمل أخبار الثورة وتوزعها على السفارات الأجنبية (١).
ولسائل أن يسأل: هل نجحت الجبهة في تقديم صورة حقيقية عن الثورة في الخارج؟ وقبل الإجابة عن ذلك دعنا نذكر بالصعوبات التي واجهها الإعلام الجزائري، سيما في أول أمره، كما ذكرنا من قبل، لقد كانت فرنسا معروفة في العالم بأنها بلد الحرية وحقوق الإنسان، وكانت تملك من الوسائل الدعائية ما لا يقارن بما عند الجزائريين على الإطلاق، وكان معظم العالم يعتد أن الجزائر فعلا جزء من فرنسا، قانونيا وعرفيا، وكان تضامن الإعلام الغربي مع بعضه واضحا كما هو حاله إذا تعلق الإمر بثورات يعتبرها وطنية أو يسارية أو إسلامية، كما أن الغرب كان يخشى أن تكون الجزائر المستقلة عن فرنسا موطى قدم للمعسكر الاشتراكي، والمعروف أن الجيش الفرنسي - رغم هزيمته في الفيتتام - كان قويا وكثير العدد والعتاد في الجزائر وأنه كان يتلقى المدد من
(١) عواطف عبد الرحمن، الصحف العربية، مرجع سابق، ص ٥٨.