للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحادي عشر، كما نفهمه من المؤلفات المذكورة وأمثالها كان قد اختلط بالبدعة والشعوذة والخرافة، وأصبح عند البعض وسيلة للرشوة والفساد وعند البعض وسيلة لاتخاذ الحضرة ونشر البدعة واستغلال العامة. ولم يعد هو التصوف الذي كان عليه الأوائل الذين كانوا يجمعوا بين العلوم العملية ومعرفة الله عن طريق العمل والنظر والتدبر في خلقه والذين لم يدعوا لأنفسهم كرامة ولا خارقة وإنما كانوا متبعين للقرآن والسنة مكثرين من العبادة، زاهدين في أحوال الدنيا، عاملين من أجل الفوز في الآخرة برضى الله. فثورة الفكون على أدعياء التصوف من معاصريه لها مبرراتها القوية.

ويبدو أن دعوته لم يكن لها أثر في ذلك العصر الغارق في الجهل والظلم. فقد نادى أحمد بن ساسي البوني، وهو من الذين جمعوا بين العلم والتصوف، بإسقاط التدبير تماما عن الإنسان واعتبر أن هذا الإنسان مسير لا مخير حتى كان ما أصاب الله به البلاد من تأخر ومن ظلم وفساد كان لمصلحة لا يعلمها إلا هو ولا حاجة للإنسان أن يثور أو يرفض أو ينتقد الظلمة والمفسدين والمتسببين في التخلف. وقد نسب إلى البوني قوله:

كل الأمور لمبديها وخالقها ... فما إلى العبد تخيير وتدبير

فرب رأى نراه نافعا حسنا ... وما حديث، لعمري، فيه تدبير

فالله يعلم ما للعبد مصلحة ... فيه وقد يصحب التعسير تيسير

وقد يؤخر مولانا منافعنا ... والعبد ما ضره في ذاك تأخير

فاصبر إذا المجازي حكمه برضى ... أما علمت بأن الصبر مأجور (١)

وقد جاء الورتلاني في القرن الثاني عشر (١٨ م) فغرق، رغم علمه،

فيما غرق فيه ابن مريم والصباغ والبطيوي وغيرهم، وأكثر من الحديث عن أعمال المتصوفة ونسبة الخوارق والكرامات لهم. فقد أخذ يزور القبور ويصلي حولها ولا يكاد يسمع بصالح، حقيقة أو خرافة، إلا زاره وأخذ


(١) من مخطوط رقم ٢٢٦٦ مجموع ورقة ٩٢، المكتبة الوطنية بالجزائر. وسنترجم لأحمد البوني في الجزء الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>