للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البركات منه. ومن جهة أخرى غاص هو إلى أعماق التصوف فدرس النظريات الصوفية من كتبها وسيرة أصحابها، وحاول صيام الدهر فلم يستطع، فقد ظل ثلاثة أيام صائما عن كل شيء إلا جرعة ماء، ثم اضطر لإبطال صومه في اليوم الرابع عندما أحس بالتعب والجوع، واعتبر اللذة التي حصلت له من هذه التجربة لا تعادلها أية لذة. وكان مذهبه في التصوف هو اتباع الطريقة الشاذلية وسلوك علم الباطن ونقد الفقهاء الذين اعتبرهم أعداء للصالحين والأولياء، واعتبر هؤلاء مقربين إلى الله، وأشاد بنبوءة سيدي خالد (خالد بن سنان العيسي)، كما لبس الثياب العادية (١). ولكن الورثلاني كان، كمعظم أتباع الطريقة الشاذلية، يبدي اهتماما بشؤون الدنيا وملذات الحياة.

وافتخر الورثلاني بأنه زار عددا كبيرا من الأولياء والصلحاء من تلمسان إلى عنابة ومن بجاية إلى سيدي خالد. وقد خصص قسما كبيرا من رحلته للحديث عن المرابطين والصلحاء والشرفاء. فعدد حوالي خمسين منهم في جبل زواوة وحوالي عشرين في بجاية وضواحيها. وغير ذلك. وكان جميعهم، في نظره، مقربين إلى الله، وأقطابا واضحين، وأطوادا شامخين في العلم والعرفان، وشموسا ساطعة للحق والبرهان، كما أورد عددا من أقطاب التصوف في المشرق الذين لقيهم أثناء حجاته وأجازوه. مثل عبد الوهاب العفيفي الذي أخذ عليه الورثلاني الطريقة الشاذلية ولقنه الذكر وجدد عليه العهد، ومثل الشيخ محمد بن سالم الحفناوي الذي سماه (سلطان العارفين)، وكذلك علي الفيومي الذي أخبر أنه وجده يرقص ويشطح (٢). وملأ الورثلاني رحلته بالحديث عن النبي خالد وضريح الأخضري وسيدي عقبة والصحابي أبي لبابة، وقارن الخنقة بمكة، وزار في بجاية القبر المنسوب لعبد القادر الجيلاني، وتحدث عن حياة أبي مدين الغوث في بجاية وتلمسان، وروى


(١) الحاج صادق (عبر شمال إفريقية)، ٣٢٠.
(٢) عن حياة وتصوف الورثلاني انظر فصل التاريخ من الجزء الثاني، وكذلك دراستي عن الرحلات الجزائرية الحجازية. في كتابي (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).

<<  <  ج: ص:  >  >>