للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو تتبعنا أمثال هؤلاء لطال بنا الحديث، فبطون الكتب مليئة بهذه النماذج. ولا شك أن ما لم يكتب ولم يدون أكثر بكثير مما كتب ودون. والمرابطون درجات في العلم والولاية والكرامة والخوارق. فمنهم، كما رأينا، الجاهل البسيط، والعالم الفقيه، والخطيب الإمام. ومنهم من كان من أهل المدن ومنهم من كان من أهل البادية. وكان بعضهم قد تراجع عما كان فيه من ادعاء الولاية واتخاذ الحضرة وجمع الأموال عن طريقها، مثل الشيخ علي بن حمود العيساوي (من أولاد عيسى)، وأحمد بن بوزيد الأوراسي.

وكثيرا ما أدى حب المال وجمعه وادعاء الولاية سببا في تنافس هؤلاء (الأولياء) حتى تسرب ذلك إلى اتباعهم فقامت الحروب بينهم والمشاحنات وترددت بينهم الشتائم والضرب. فقد وقع خلاف شديد بين أتباع علي العابد الشابي (١) وأتباع محمد ساسي عندما دخل الشابي عنابة وانضم إليه بعض الناس. وقد كاد صيت الشابي يغطي على صيت محمد ساسي في عنابة وعلى صيت بوعكاز في غرب قسنطينة. وكان أصحاب الشابي يشيعون عنه أنه الفاطمي أو وزيره. وكان الشابي أيضا يعطي العهد ويقيم الحضرة ويجمع المال حراما وحلالا. وبعد وفاته دفن في عنابة وأصبح قبره (وثنا يعبد)، كما يقول الفكون. ومن الملاحظ أن بعض هؤلاء (الأولياء) كانوا يورثون الطريقة إلى أقاربهم، لأنها مجلبة للمال ومقصد الناس بالاحترام. فالشيخ طراد قد ورث ابنه رئاسة طريقته وأصبح يعطي الولاة الخراج والجباية للاستعانة بهم على المعارضين له. كما أن علي الشابي قد ورث ابن عمه، وهكذا.

ويبدو أن جمع الأموال كان الهدف الرئيسي من هذه الحركة. فهذا أحمد بن سليمان المجذوب قد دار عليه الفقر فأقبل على البدعة والحضرة. وهذا الشيخ مخلوف قد تحول إلى الولاية بعد أن مارس العلم ودرس النحو وأقرأ القرآن للصغار وانتشر أمره بين الناس في قسنطينة وبواديها، ومع ذلك


(١) انتشرت (الشابية) في شرق الجزائر قادمة من تونس. وقد عرفنا أن من الذين تصدوا للرد عليها في القرن العاشر الشيخ عمر الوزان. انظر ترجمته في الفصل الرابع.

<<  <  ج: ص:  >  >>