كان يخفي دعوته على العلماء وأضرابهم. ولما توفي وجدت عنده أموال طائلة أوصى ببعضها للطلبة، وأخذت الدولة باقيها، واتهمت زوجه بإخفاء المال. وقد كان المال وراء حركة محمد ساسي أيضا لأنه كان يتقاضاه على كل طفل ومن المهاجرين الأندلسيين، بالإضافة إلى أخذه من سكان البوادي.
غير أن بعض المتصوفة كانوا أصلا أغنياء فلم يكونوا في حاجة إلى التكسب باسم الدين، وقد ذكر شارح قصيدة (حزب العارفين) أن والده كان من الأثرياء ومن المتصوفة أيضا حتى أن ابنه (أي الشارح) قد أخذ عليه كثيرا مما يتعلق بأذواق أهل التصوف وسلوك الطريقة. ولكن البعض كانوا يدعون الولاية والصلاح لأغراض أخرى كمخالطة النساء (وقد روى الفكون من ذلك عدة نماذج)، وتوفير الطعام بلا تعب، لأن بعضهم كان يدخل البيوت فيأكل ويشرب ويخرج. كما كان بعضهم يمشي في السوق ويأخذ ما شاء من الفواكه والأطعمة دون أن يعترض طريقه أحد. فإذا حاول أحد الاعتراض عليه ضربه الشيخ ضربا مبرحا أو دعا عليه دعاء مهلكا.
ولم يكن كل المنتسبين إلى الولاية والصلاح على الشاكلة التي وصفناها. فقد كان فيهم الخيرون الذين أبت ضمائرهم إلا أن تستيقظ لفعل الخير وخدمة الصالح العام. ومن هؤلاء الشيخ بلغيث (١)، الذي كان من المتحصلين على قسط من العلم أخذه في قسنطينة وتونس حتى صار من أهل الفقه والمعرفة وذاع صيته بين الناس وكان من الصالحين (الفنانين)، إذا صح التعبير، فقد استعمل الموسيقى (أو السماع) بيده واتخذ طريقة خاصة به وبنى زوايا عديدة، ولكنه كان يبذل المال لتحرير الأسرى المسلمين الذين يقعون في قبضة النصارى وفي ترميم المساجد أو في صرفه على الفقراء والمساكين. ومن ناحية أخرى كان الشيخ الموهوب بن محمد بن علي الزواوي عارفا بالله
(١) لعله هو الشيخ أبو الغيث القشاش الذي استشاره محمد المسعود الشابي حوالي سنة ١٠١٦ في شؤون الطريقة الشابية ومحاربة الأتراك. انظر دراسة علي الشابي في (المجلة التاريخية المغرية) يناير ١٩٧٩، ٦٣. عن أبي الغيث انظر أيضا (كعبة الطائفين)، ٣/ ٢٢٨.