للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأهم ما كان يميز سلوك المرابطين في نظر المعاصرين لهم هو الخلوة والشيخوخة والكرامة. فكل مرابط، سواء كان حقيقة أو ادعاء، كان يختفي مدة عن أنظار الناس قبل الاعلان عن دعوته. وقد جرت العادة أن هذه الخلوة تكون في البراري والبوادي والأماكن المنعزلة حيث لا يراه الناس إلا لماما. وقد تكون الخلوة مجرد حفرة في جبل أو سقيفة في خلاء أو خيمة. فإذا اشتهر أمر المرابط أعلن الشيخوخة (كونه شيخ طريقة) واتخذ زاوية يستقبل فيها المريدين ويتلقى فيها الأموال والجبايات ويدرس فيها خططه. ولكي يقنع الناس بدعوته عليه أن يثبت، أو على الأقل أن يشيع أتباعه عليه بين الناس، أنه صاحب كرامات ومكاشفات وأحوال، وأنه يرى ما لا يراه الآخرون، ويطبع على ما لا يطلعون عليه من الأسرار والبواطن. وقد قال الورتلاني بهذا الصدد بأن المرابطين يكتبون في اللوح المحفوظ. وقد سبق أن أشرنا إلى أن موسى بن عيسى المازوني قد حذر من الاعتراض عليهم حتى بالقلب لأنهم، كما قال، (جواسيس القلوب).

ويضاف إلى هذه الميزات عند المرابطين الجذب واتخاذ الحضرة، وهي تجمع (الفقراء) المؤمنين بدعوة الشيخ للذكر الذي يتحول عند البعض وبالتدرج إلى رقص معين وبحركات موزونة وموقوتة وبأصوات منغومة تعلو وتنخفض بإشارات معينة من الشيخ أو المقدم. وقد يكون في هذه (الحضرات) أمور ليس بينها وبين الدين والعبادة أية صلة، كالغيبوبة وسيلان اللعاب والتضارب والزعاق ونحو ذلك. وقد أصبح من شعار بعض المرابطين أيضا زيارة القبور في جماعات وإظهار أحوال خاصة واتخاذ المشاهد والوعدات، وذلك لخلق مناسبة تذبح أثناءها الذبائح وتقدم الهدايا والأموال للشيخ واجتماع الناس على اختلاف جنسهم وأعمارهم للتجمع في المكان المتفق عليه الذي قد يكون زاوية الشيخ نفسها. وقد أضاف بعضهم إلى ذلك


= وقال عنه أيضا انه قسم ماله نصفين نصف للدنيا ونصف للآخرة. كما روى كلاما شبيها بهذا عن بلقاسم بن صابر وعبد القادر السماحي (بوسماحة).

<<  <  ج: ص:  >  >>