للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(التوضيح) الذي كان مشهورا في زواوة شهرة واسعة ويعتنون به قراءة وإقراء، كما يقول الفكون، وقد جمع ابن راشد (تقاييد) على الشيخ التواتي من تقريره أثناء الدرس وربما زاد عليها بعض المسائل من ابن بابشاذ وغيره من النحاة، ولكننا لا ندري إن كان ابن راشد قد نسق كل ذلك ووضعه في شكل كتاب. وعاد ابن راشد إلى زواوة وأخذ يدرس هناك النحو على الأجرومية وعلى المكودي (١).

وتظهر أهمية التواتي وابن راشد في تخريج أحد كبار النحاة الجزائريين، وهو عبد الكريم الفكون، فقد درس الفكون أيضا على التواتي علم النحو وتأثر به كثيرا، وهو يظهر إعجابه به عند ترجمته لشيخه، وكان التواتي قد خرج من قسنطينة خائفا من الظلمة، واستقر به المقام في باجة بتونس حيث توفي بالطاعون سنة ١٠٣١. ويبدو أن تأثير ابن راشد على الفكون كان قويا أيضا، فقد ذكر الفكون أنه كان حديث العهد وصغير السن عندما بدأ يتعلم النحو على التواتي فرأى إجادة ابن راشد للنحو ومناظرته لتلاميذ التواتي فيه وتفوقه عليهم فانقاد إليه وأصبح من الراغبين في التعمق في هذا العلم، ويحدثنا الفكون عن أن ابن راشد هو الذي شجعه على ذلك وأقرأه وقدمه على التلاميذ الآخرين حين أعطاه في الدرس كتاب (التوضيح) الذي كان يقرئه ليسمعه، وذلك لفصاحة لسانه وحسن صوته. وهناك شخصية أخرى كان لها أثر في تعلق قلب الفكون بعلم النحو، وهو إبراهيم الفلاري التونسي، وإذا كان تأثير ابن راشد والتواتي عن طريق التلمذة والاحترام فإن تأثير الفلاري كان بطريق المنافسة والتعجيز. فقد زار الفلاري قسنطينة ذات مرة، وكان علماؤها يجلونه ويستقبلونه على أنه من كبار النحاة ويعقدون معه المجالس العلمية (مثل نادي يحيى بن محجوبة)، وكان الفكون يتردد على هذا النادي رغم حداثة سنه. وأمام العلماء طرح الفلاري مسألة على الفكون فعجز عنها فحز ذلك في نفسه، وهو ما يزال، كما يقول، في سن الكتاب، وفكر في الأمر بعد عودة الفلاري إلى تونس وتمتعه هناك بصيت كبير في علم


(١) (منشور الهداية) ٩٥ - ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>