للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حياته الفنية في المشرق. ويقرب من ذلك الإنتاج المسمى بالمجالس وبالمرائي الصوفية، على غرار ما فعل محمد الزواوي الفراوسني في (تحفة الناظر) (١)، ويمكننا أن نغامر هنا فننسب ما يحكي عن كرامات الأولياء والصلحاء وما في ذلك من خيال ومغامرات وانتصارات إلى عنصر الحكاية الشعبية النثرية، فإذا صح ذلك فإن الأدب الجزائري إذن سيجد مادة خصبة في الحكايات المعزوة إلى الصالحين والزهاد عن مغامراتهم الروحية (٢).

وأظهر كاتب استعمل المقامة هو محمد بن ميمون (٣) في ترجمته لحياة الباشا محمد بكداش، والغريب أن ابن ميمون قد سمى كتابه في ذلك (التحفة المرضية في الدولة البكداشية في بلاد الجزائر المحمية)، ولم يسمه مثلا المقامات المرضية أو نحو ذلك من التسميات حتى تتسق مع المحتوى، وقد جمع ابن ميمون ذلك في ست عشرة مقامة، وجعل كل مقامة عبارة عن فصل من سيرة الباشا وأعماله، فمثلا المقامة الأولى في نبذة من أخلاقه، والثانية في تعيينه سنجق دار، والثالثة في توليه تقسيم خبز العسكر، والرابعة في توليه الحكم، الخ. ولعل هذه التسمية هي التي جعلت بعض النساخ يكتبون على التحفة عبارة (مقامات ابن ميمون) (٤)، ورغم أن ابن ميمون أديب ماهر يذهب مذهب الفتح بن خاقان حتى أنه عندما حمد الله في المقدمة شكره أيضا على


(١) انظر عنه الفصل الأول من الجزء الأول.
(٢) في وفاة محمد الغراب وفرسة الزواوي المسماة بالرقطاء، وفي الكرامات التي رواها ابن مريم، وفي (بستان الأزهار) للصباغ، وغيرها من الآثار دليل على ما نقول.
(٣) مصادر ابن ميمون هي كتابه (التحفة المرضية) ورحلة ابن حمادوش، و (شرح الحلفاوية) للجامعي، و (تقييد) ابن المفتي، و (ديوان) ابن علي، انظر أيضا مقالتنا عن قصيدته في مدح ابن عبدي باشا في كتابنا (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).
(٤) مخطوطة باريس، رقم ١٦٢٥، وهي على ما يظهر أقدم النسخ إذ تعود إلى سنة ١١٢١ أي أثناء حياة ابن ميمون والباشا معا، أما بكداش فقد قتل سنة ١١٢٢، وأما ابن ميمون فنعرف من رحلة ابن حمادوش أنه كان حيا سنة ١١٥٩، وبذلك يظهر أنه ألف التحفة وهو في سن الشباب، وقد ترجم (التحفة المرضية) إلى الفرنسية السيد روسو الفرنسي، وحققها محمد بن عبد الكريم سنة ١٩٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>