والخطابة والفتوى، وهي وظائف العلماء البارزين في عهده في الجزائر أيضا. وكان بعض سلاطين المغرب يقدمون علماء الجزائر، وخصوصا تلمسان، لأسباب سياسة تتعلق بسياستهم من الدولة العثمانية عموما، والجزائر بصفة خاصة، وإذا كان بعض علماء الجزائر قد سجلوا انطباعهم نحو العثمانيين، معهم أو ضدهم، فإن أحمد المقري لم يسجل، حسب علمنا، انطباعه سواء عندما كان في الجزائر أو عندما كان في المغرب أو حتى بعد أن هاجر إلى المشرق، ولعل من أسباب ذلك أن عالما من أبرز علماء أسرته، وهو عمه سعيد المقري، كان متوليا لوظيفة الخطابة والإمامة والفتوى في تلمسان تحت العثمانيين قرابة أربعين سنة.
ولكن المغرب، رغم طول مكثه فيه، لم يكن في حالة استقرار سياسي، فالنزاعات كثيرة والعلماء كانوا في مقدمة وقود الفتنة إذا وقعت لأن مكانتهم، وخصوصا إذا كانوا في منصب الإفتاء، تجعلهم هدفا لطلب التأييد والنصرة، ولا شك أن المقري لم يكن يغيب عنه ما وقع لبلديه، عبد الواحد الونشريسي في المغرب أيضا، عندما رفض خلع بيعة السلطان، ومقتله على يد أنصار المطالب بالعرش، لذلك عندما أحس المقري بأن الأمور تسير على غير ما يروم ادعى التوجه إلى الحج سنة ١٠٢٧، وبذلك يكون قد قضى في المغرب حوالي ربع قرن، وهي فترة هامة من حياته، ومع ذلك فما تزال غير مدروسة. ويسجل صديقه ومعاصره عبد الكريم الفكون سبب هجرة المقري من المغرب بهذه العبارات. بعد فساد البلاد بتبدل دولها بين أولاد أسيرها، حتى تداعت للخراب ارتحل المقري (يقال إنه عن خوف من الأمير الذي تولى اذ ذاك لكونه (المقري)، فيما يقال، له خلطة بالأمراء والانتماء إلى بعض دون بعض) (١)، ,وقد أشار المقري نفسه إلى هذه الظروف دون أن يفصح عنها بقوله لما قضى الله (برحلتي من بلادي ونقلتي عن محل طارفي وتلادي بقطر المغرب الأقصى) ويشير إلى سماسرة الفتن والأهوال الذين