للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعلوا الأمن في المغرب عزيز المنال (١)، والغريب أنه أطال في وصف قصور المغرب وطبيعته واعتبره بلاده ولكنه قلما ذكر أهله.

ومهما كانت أسباب رحلته من المغرب، فإنه يبدو أن المقري كان ينوي العودة إليه لأنه ترك فيه أهله وابنته ومكتبته، ولعله قد حاول المكث في الجزائر، قريبا من المغرب، حتى تنجلي الأمور السياسية، فقد وجدناه يستقر بمدينة الجزائر سنة ١٠٢٧، بعد أن مر بمسقط رأسه تلمسان، واتصل في الجزائر بالعلماء وشرع في التدريس وخصوصا التفسير، وتبادل مع كبير علماء الجزائر عندئذ، وهو سعيد قدورة، الألغاز والنكت والمعلومات، وقد روى الفكون ذلك في شيء من التعريض بالمقري قائلا إنه نزل دار الجزائر على فقهائها وعلمائها، وتصدى للتدريس بها، وقرأ بها التفسير على ما قيل، وسأله عالم الجزائر وخطيبها أبو عثمان سعيد بن إبراهيم كدورة (كذا يكتبه الفكون) لغزا بعنوان (هاج الصنبر) فلم يصب المقري الجواب في الأول وأصابه في المرة الثانية، ثم سافر إلى المشرق (٢). فهل وجد المقري مدينة الجزائر غريبة عنه فواصل سيره إلى المشرق؟ ذلك ما لا تكشف عنه الوثائق حتى الآن، وقد يكون سفره من المغرب بالبر خوفا من القراصنة، كما قال، ولكن تلمسان بالنسبة إليه هي بلد الآباء والأجداد، وهو الذي تمثل في شأنها بهذين البيتين:

بلد الجدار ما أمر نواها ... كلف الفؤاد بحبها وهواها

يا عاذلي في حبها كن عاذري ... يكفيك منها ماؤها وهواها (٣)


(١) مقدمة (نفح الطيب) ط. ١٩٤٩. وقد جاء في (الاستقصا) ٦/ ٢٢ بعض التوضيح لهذه الظروف، فقد استفتى المأمون الثائر المطالب بالعرش علماء فاس، ومنهم المقري، على جواز افتداء أهله من يد الإسبان بمنحهم مدينة العرائش، فأجابه البعض خوفا، وامتنع البعض ففروا واختفوا ومنهم أحمد المقري ومحمد الجنان .. الخ.
(٢) (منشور الهداية) انظر أيضا كتاب محمد بن سعيد قدورة (جليس الزائر وانيس السائر)، مخطوط.
(٣) (أزهار الرياض) ١/ ٦ - و (نفح الطيب) ٧/ ٣٥٢. والبيتان لابن مرزوق. وبلد الجدار هي تلمسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>