للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل المقري لا يقصد بذلك الحنين تلمسان وحدها، إذ أنه طالما ردد حنينه أيضا إلى مراتع صباه بالمغرب الأقصى، رغم أن حياته في فاس جعلته، كما قال، لا يفكر فيها إلا في (هم أو هول) (١). والذي يطالع مقدمته لـ (نفح الطيب) يدرك أن الرجل كان كثير الشوق إلى وطنه رغم ما وجده في المشرق، ولا سيما في الشام، من حفاوة وتكريم. وكان المقري كثير التمثل بالأشعار وبعبارة (الحنين إلى الوطن مجال لكل حر ومضمار) و (حب الوطن من الإيمان). وبذلك يكون المقري من أوائل المثقفين الجزائريين الذين كرروا موضوع الحنين إلى الوطن بهذه القوة.

وتشهد المصادر الأخرى على ذلك، حتى مصادر خصومه أو نقاده، فهذا عبد الكريم الفكون الذي انتقده في أخلاقه وسلوكه الاجتماعي، أقر، وكان قد عرفه وخبره وسافر معه، بأن للمقري (محبة في المغاربة) وله معهم مباسطة، ويقول الفكون صراحة بأن المقري كان (مشغوف بوطنه وأهله). وأنه كان كثير الحج مع الركب المغربي ليتحدث مع أهله ويتسلى ويسمع أخباره، كما كان يتراسل مع عدد من علمائه وأدبائه (٢)، ورغم أن الفكون يعلل حنينه بكونه ترك ابنته وأهله وراءه حتى أنه كان يبكي ويحزن كلما ذكرهم، فإن المقصود هو حنين المقري إلى المغرب العربي، ولا سيما الجزائر التي مدحها كما سبق، بخلاف فاس.

ويبدو أن طموحه والخوف من العودة إلى المغرب هما اللذان كانا وراء بقائه في المشرق، فقد سافر من الجزائر إلى تونس بالبر أيضا، ولعله قد مر في طريقه بقسنطينة والتقى بعلمائها كما كان يفعل معظم الحجاج. ونال في تونس من حسن الاستقبال ما شهد له مرافقة عالم تونس عندئذ، محمد تاج


(١) أزهار الرياض، المقدمة.
(٢) تحدثنا عن مراسلة المقري مع الفكون نفسه، انظر فصل النثر، فقرة الرسائل، من هذا الجزء، وقد راسله أيضا تلميذه علي بن عبد الواحد الأنصاري ومحمد بن يوسف التاملي المراكشي، وكلاهما من المغرب، وحدثاه عن أحوال البلاد هناك وسمعة المقري فيها ورواج كتبه ونحو ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>