للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديوان وله الكلمة العليا في المجلس الشرعي الأعلى، ولكن أهم من ذلك في نظرنا أن المفتي كان أيضا خطيب الجامع الجديد (الحنفي) ومدرسه الكبير، وكان ابن علي يشعر بثقل هذه المسؤولية عليه حين نازعته نفسه على قول العزل واتباع خيال الشعر، فقال يخاطب الحبيب:

لولا، وحقك، خطة قلدتها ... زهرت بها في الخافقين شموعي ومنابر فيها رقيت إلى العلى ... وقد استدار بها كثيف جموع

لنحوت منحى العامري صبابة ... ولكان من حرق الجوى مشفوعي (١)

فابن علي يعرف أن سمعته كانت قائمة على الفتوى والمنبر حيث يقف خطيبا كل جمعة تحوطه الجماهير وهو يعظ ويرشد أو حلقة الدرس حيث يلتف حوله الطلبة والعلماء، ولولا هذه القيود الثلاثة لغدا في الشعر والحب كمجنون ليلى، ولكن ابن علي يعرف أيضا أن شموعه قد توقدت وسمعته قد ارتفعت بسبب هذه الوظائف وليس بقول الشعر.

تعتبر ثقافة ابن علي وابن عمار الأدبية ثقافة تثير الدهشة في وقت كان فيه الأدب، والشعر خصوصا، بضاعة غير رائجة. فقد جمعا بين أدب المغرب والأندلس وأدب المشرق، طريفه وتليده، وكان بطلهما هو لسان الدين بن الخطيب، كما كان هو بطل أحمد المقري أيضا، ولكن تأثير ابن

سهل والفتح بن خاقان وابن زمرك والبحتري وأبي تمام والمتنبي عليهما لم

يكن قليلا أيضا، ورغم طول القطعة التالية فإننا نوردها لما فيها من حكم على ثقافة ابن علي، فقد مدحه فيها ابن عمار وقارنه في أغراضه الشعرية بعدد من الشعراء الذين عرف كل واحد منهم بالإجابة فيما قال، ولكن ابن علي، بناء على ابن عمار، قد فاق هؤلاء الشعراء:

وإذا تكلم فوق منبر وعظه ... جلى لنا البصري في أزمانه

فإذا يشبب فهو عروة رقة ... يهدي رقيق النسج من غيلانه

وإذا يصوغ

المدح فهو زهيره ... مهما انبرى للقول في ابن سنانه


(١) ابن عمار (النحلة)، ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>