للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا اغتدى يصف المباني والذرى ... خر ابن حمديس على أذقانه

أو جال في وصف الرياض أو الربى ... أعرى أبا إسحاق من إحسانه

أخملت ذكر ابن الحسين وفقت من ... في عصره يعزى إلى حمدانه

ولقد تركت البحتري مقيدا ... بسلاسل قد صاغ من عقيانه

كما قارنه ابن عمار في قول الحكمة بسقراط وهرمس (١)، ونلمس من هذه الأبيات أغراض شعر ابن علي كما كانت معروفة عند عالم معاصر له وصديق وتلميذ، وهو ابن عمار، وهي: التشبيب، والوصف، والمدح.

ورغم ما في حديث ابن عمار عن شيخه من عبارات الولاء والمدح فإننا نصل منها إلى صورة عامة عن شخص ابن علي، فهو موصوف بالحفظ الغزير، ورواية الحديث النبوي، والمهارة في التفسير وتأويل الآيات، بالإضافة إلى جودة الشعر والنثر، والفصاحة في الخطابة، وكان ابن علي، مع ذلك، يقوم الليل ويتهجد ويقرأ القرآن ويجمع المهابة إلى الدعابة، والبسط إلى الورع، والأدب إلى النسك، وهذه ميزات جليلة قلما تجتمع في واحد، وكان ابن علي، بحكم شاعريته، يجتمع بالأدباء ويرتاح إليهم، وقد عرفنا أنه كان يزور بيت ابن ميمون، وهو أديب وشاعر مثله. وكانت له مجالس أنس وعلم ومطارحات مع أحمد بن عمار، يخرجان فيها للتنزه في الرياض ويتزاوران في الديار، وكلاهما عبر في شعره عن هذه الصداقة الأدبية الجميلة، وكان إعجاب كل منهما بشعر الآخر يدفع بهما إلى المزيد والإجادة، وكان ذلك وسيلتهما الوحيدة في شحذ القرائح وتحريك القوافي، لأن الشعر، كما قلنا، كان بدون مشجعات سياسية ولا اجتماعية.

أعجب ابن علي باللغة العربية إعجابا كبيرا فأجابها شعرا ونثرا، وقد شكا من كون البعض لا يعرف مكانتها ولا مكانة الشعر فيها على الخصوص، ونحن نعرف رأيه في ذلك من حادثة رواها هو في ديوانه، فقد أتى فيه بأبيات نظمها المفتي الحنفي العثماني، أسعد أفندي، في المقام النبوي، ثم علق ابن


(١) ابن عمار (النحلة)، ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>