للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصطفى (١) فعزل والد ابن المفتي وعين بدله محمد النيار. ومن المفهوم أن ابن المفتي كان قاسيا جدا على محمد النيار. فقد اتهمه بأنه أهان وظيفة الفتوى وأنه كان هو الذي يقف للباشا وينحني لتقبيل يده مرارا وأنه هو الذي سن هذه السنة السيئة التي بقيت منذئذ، كما اتهمه بالجهل ورقة الدين.

في هذا الجو نشأ ابن المفتي، وتعلم العلم المعروف في عصره، كما تعلم السياسة والمؤامرات التي كان يديرها الجنود والعلماء للوصول إلى الحكم والجاه. ولا شك أن من أساتذته في ذلك والده نفسه. فهو بحكم وظيفة الفتوى كان عليه أن يكون مدرسا في الجامع الجديد كما عرفنا. وقد ذكر ابن المفتي بعض تلاميذ والده الذين تولوا الفتوى أيضا، ومنهم محمد بن الماستجي الذي تولاها وعمره أقل من ثلاثين سنة. وهناك عدد من الشيوخ الذين تلقى ابن المفتي عليهم العلم أيضا، بالإضافة إلى والده. وقد ذكر هو منهم ثلاثة كانوا جميعا من أبرز العلماء في وقتهم، وتولوا جميعا وظائف عالية، وهم: محمد بن نيكرو وعمار المستغانمي، وكلاهما تولى الفتوى، ومصطفى العنابي الذي تولى القضاء. وتربى ابن المفتى مع جيل من العلماء أيضا. فحين ذكر المفتى الحاج أحمد الزروق بن عبد اللطيف، وهو آخر من ذكره في كتابه، كما أشرنا، قال عنه إنه كان شريكه في مجلس درس عمار المستغانمي ومحمد بن نيكرو. ويفهم من سياق ابن المفتي أن والده لم يهيئه لتولي الفتوى بعده. كما يفهم أيضا أنه لم يتول وظائف عالية شأن زملائه وأساتذته. ولكن هذه قضية ما تزال غامضة.

ومهما كان الأمر فإن ابن المفتي كان على ثقافة عملية. فبالإضافة إلى مكانته داخل المجتمع والسياسة كان شديد الملاحظة لما يجري حوله. فقد أخبر أنه حضر جلسة الديوان عندما كان والده متقلدا للفتوى وشاهد كيف يقوم الباشا إجلالا لوالده ويقبل يده. وذكر أنه ذهب إلى آسيا الصغرى


(١) مات مقتولا في القليعة عند زاوية أولاد سيدي مبارك سنة ١١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>