هفهوف، فهاجم المنتفق الأعداء الثائرين وأنقذوا الحامية العثمانية التي كان
الأهلون قد اسروها. وبعد أن أطفئوا جذوة النار المتقدة أتم الإطفاء رجعوا إلى الناصرية بعد أن قاموا هناك الشيخ بزيع العرير متصرفاً للواء نجد. - وما كادت بضعة أشهر تمضي إلا ونشبت نار الفتنة من جديد لأن أعراب الاحساء وما جاورها أرادوا أن ينتقموا مما لحقهم من الانكسار إذ خضد شوكتهم جند الحكومة وأعراب المنتفق فزحف ناصر باشا من جديد ومعه ابنه مزيد فتم لهما مرة ثانية الاستيلاء على الاحساء ونكلوا بالأهالي أشد التنكيل فكان ذلك مدعاة لسكوتهم مدة سنين طويلة.
ولما فل غرار الشيخ بزيع العريعر عين مزيد السعدون ابن ناصر باشا متصرفاً للواء بدلاً من السابق ذكره. وفي سنة ١٣٠٢هـ. (١٨٨٤م) كان مزيد في ذلك اللواء لما فصلت البصرة عن ولاية بغداد وعقد بها لواء نجد فأصبحت ولاية البصرة مستقلة عن أمها بغداد وعين والياً لها ناصر باشا. وكان قد رقى في عودته الأولى من زحفة الاحساء سنة ١٨٦٨م رتبة ميرميران لأنه اظهر في تلك الأثناء من الإباء وعظم النفس ما لا مثيل له إلا في سابق العهد إذ إن الباب العالي أهـ داه عشرة آلاف ليرة (أي ٢٣٠. ٠٠٠ فرنك) مكافأة له على أتعابه وعلى النفقات التي بذلها في تلك الزحفة فأبت نفسه الكريمة الكبيرة أخذ المبلغ وأبقاه للدولة. ولو كان أخذه لكان حطه عن شاهق إذ لم يكن إلا جزءاً زهيداً مما أنفقه في هذا السبيل من النفقات الباهظة الفاحشة.
وبقيت الأمور تجري في أعنتها حتى كانت سنة ١٣٢٠هـ. (١٩٠٢م) فأضطرب حبل الأمن فعينت الدولة السيد طالب بك نقيب إشراف البصرة متصرفاً للواء المذكور فما كاد يلقى فيه عصاه إلا وفك الحصار عن الاحساء وأدب العشائر وأمن الطرق. فانقادت له رؤساء الأعراب طائعة إياه بعد أن شاهدت ماله من شدة العزم والحزم وقوة إلباس والمراس. وبعد أن استعفى وتوجه إلى