للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أصل اليزيدية وتاريخهم]

٤ - أخلاف عدي

جمود العصور التالية:

لم تقف العصور الإسلامية التالية لعدي بن مسافر في جمودها عند أخلافه وحدهم، بل نراها - على اختلاف نزعاتها - قد اكتسبت أوضاعاً خاصة، وأشكالا معروفة من الجمود لم تخرج بها عن التقليد في كل شيء.

ولم يكتفوا بتقليد الرأي، بل صاروا يقلدون الغير في العمل؛ فعقمت العصور المذكورة عن أن تلد إلا أفذاذا قليلين، لم يتمكنوا من أن يحركوا هذا الجماد، بل الصخرة الصماء.

اشتغلوا بالعجائب، ونسبوا الخوارق لمقلديهم، ونقلوا عنهم لينالوا مكانتهم و (بهجة الأسرار) و (جامع كرامات الأولياء) و (القلائد) و (الكواكب الدرية) وغيرها من كتب مشحونة أمثال ذلك؛ فنقلت أموراً خارقة عن عدي. وهي لمن وسم بالعلو والمشيخة، بحيث لا يدعنا ذاك أن نستغرب ما يقال عن اليزيدية. فإذا كان أولئك لم يدركوا حقيقة طرائق القوم. فمن الأولى أن لا يدركها أميون، يقضي محيطهم، وتدعو بيئتهم قسراً إلى أن يلازموا تلك الأمية الموافقة، أو المقاربة للامية. ولعلها السبب في تحريم القراءة والكتابة.

ولا عجب أن يدخل الغلو بين ظهرانيهم، وقد دب بين جماعاتنا قبلهم، أو بصورة مساوقة. ومنشأ ذلك الجمود العام. فلا يوجه اللوم إلى صنف دون نف. اللهم إلا تفاوتاً في الدرجات، (ظلمات بعضها فوق بعض) فعلة الجمود وبيلة استولت على الكل فلم يسلم منها قوم أو مذهب، وهي منشأ الغلو الأخير.

وعلى كل حال أن الجمود في التصوف خاصة، كان متأخراً عن الفقه، والكلام، واللغة. وذلك لان ظهوره كان متأخراً لما شعر الناس بالحاجة إليه. ثم ناله ما نال غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>