للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأرملة المرضعة]

القصيدة التي ألقاها الأستاذ الشاعر الكبير معروف الرصافي في حفلة جمعية حماية الأطفال التي أقيمت في صباح ١١ كانون الثاني (يناير) سنة ١٩٢٩:

لقيتها ليتني ما كنت ألقاها ... تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها

أثوابها رثة والرجل حافية ... والدمع تذرف في الخد عيناها

بكت من الفقر فاحمرت مدامعها ... وأصفر كالورس من جوع محياها

مات الذي كان يحميها ويسعدها ... فالدهر من بعده بالفقر أشقاها

الموت أفجعها والفقر أوجعها ... والهم أنحلها والغم أضناها

فمنظر الحزن مشهود بمنظرها ... والبؤس مرآة مقرون بمرآها

كر الجديدين قد أبلى عباءتها ... فانشق أسفلها وأنشق أعلاها

ومزق الدهر، ويل الدهر، مئزرها ... حتى بدا من شقوق الثوب جنباها

تمشي باطمارها والبرد يلسعها ... كأنه عقرب شالت زباناها

حتى غدا جسمها بالبرد مرتجفا ... كالغصن في الريح واصطكت ثناياها

تمشي وتحمل باليسرى وليدتها ... حملا على الصدر مدعوما بيمناها

قد قمطتها باهدام ممزقة ... في العين منشرها سمج ومطواها

ما أنس لا أنس أني كنت أسمعها ... تشكو إلى ربها اوصاب دنياها

تقول يا رب لا تترك بلا لبن ... هذي الرضيعة وارحمني وإياها

ما تصنع الآم في تريب طفلتها ... أن مسها الضر حتى جف ثدياها

يا رب ما حيلتي فيها وقد ذبلت ... كزهرة الروض فقد الغيث أظماها

ما بالها وهي طول الليل باكية ... والأم ساهرة تبكي لمبكاها

يكاد ينقد قلبي حين أنظرها ... تبكي وتفتح لي من جوعها فاها

ويلمها طفلة باتت مروعة ... وبت من حولها في الليل أرعاها

تبكي لتشكو من داء ألم بها ... ولست أفهم منها كنه شكواها

<<  <  ج: ص:  >  >>