اسمحوا لي أن أبدي رأيي فيما بسطتم في لغة العرب (٦١٠: ٦) عن دين ابن المقفع، وأنه كان زنديقا. واعتمدتم فينا ذكرتم عن زندقته على ابن خلكان إذ يذكر (في كتابه (١٥٠: ١) من طبعة بولاق: أمر (سفيان) بتنور فسجر ثم أمر بابن المقفع فقطعت أطرافه عضواً عضوا وهو يلقيها في التنور؛ وهو ينظر حتى أتى على جميع جسده. ثم أطبق عليه التنور وقال: ليس علي في هذه المثلة بك حرج لأنك (زنديق). . . فما أدرانا أنه أتهمه بهذه التهمة، ليستر أمرا حدث من ابن المقفع به تعريض يمس كرمته، أو إهانة حدت له منه، وكان يبطن ذلك، فأحب التخلص منه بهذه الوسيلة، ويستنتج ذلك من معاملته له بتقطيعه أربا أربا، وزجه بعدها بتنور. أهكذا يفعل بالزنادقة؟؟ وإلى هذا الحد يبلغ بسفيان التوحش الفظيع لو لم يكن وراء الأكمة عار أو فضيحة تستر؟! ثم أعلن سفيان قتله بوصمة الزندقة، فاغتر المسكين ابن خلكان بهذا الأمر، وسجله في كتابه. ونحن نعلم أن في ذلك العهد المظلم كان الخليفة أو أي حاكم كان، أن يفعل ما يشاء ويذيع ما يريد إذاعته، والحقيقة في الصدور!! وأنى للمؤرخين والكتبة أن يعلموا ما تكنه الأفئدة؟ كفى تأييدا لكلامنا، أن كل الخلفاء والوزراء كانوا في اتصال دائم بالروم والإفرنج سواء أكانوا في سورية أم في العراق أم في الأندلس ودليلنا على هذا، المراسلات والهدايا التي تبودلت بين شارلمان وهارون الرشيد ومع غيرهما ولم يذكرها أو لم يذكر إحداها أحد مؤرخي العرب، بل كلهم كانوا يجهلونها جهلا تاما