للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الزقزفة أو لسان العصافير]

كنت في الشهور الثمانية الأول من سنة ١٩٢٥ في دير المحرقة الواقع في جبل الكرمل، قرب حيفا في فلسين، وفي ٧ أيار (مايو) وكنت أتمشى أمام بناية الدير لفحص بعض الأمور المتعلقة به، فجاء إلي درزنيان من دالية الكرمل، (وهي من قرى جبل الكرمل)، وأخذا يتكلمان بكلام لم أفهم منه كلمة، وبعد ذلك وجه أحدهما خطابه إلي، سائلا بعض الأسئلة عن تاريخ العمر (الدير) إلى أسئلة آخر، فقلت لأحدهما: وبأي لغة كنت تكلم صاحبك قبل هنيهة؟ قال: بلسان لعصافير -. وما هذا اللسان؟ - هو ما تزقزق به تلك الطويئرات. إلى كلام طويل لم أستطع أن أحصل منه شيئاً، أقف به على حقيقة الأمر.

ثم قلت لهما: أو يفهم هذا اللسان غيركما؟ - قالا: نعم، ويفهمه أهل دالية الكرمل، وعسفيا (قرية أخرى من الجبل المذكور)، وأم الزينات (قرية ثالثة) وأهل حيفا إلى غيرهم من الأهالي، وينطقون به عند وجودهم بين يدي غريب عن الوطن ويريدون أن لا يفهم الكلام الأجنبي الذي ينطقون أمامه.

قلت: أو يفهم هذا اللسان غير الدروز وغير الرجال؟ قالا: ينطق به الرجال والنساء، البنون والبنات، الكبار والصغار؛ سكان الكرمل وجميع أهل فلسطين، وربما يحسن هذا اللسان كل ناطق بالعربية.

فأدهشني هذا الجواب وأنا لم أسمع به قبل ذلك اليوم، مع أن عمري كان يومئذ ٥٩ سنة.

فلما غادراني ذهبت إلى عسفيا التي هي على بعد ساعة وربع عني سيراً على القدم، لأسأل أحد النصارى هل يعرف هذه اللغة المسماة (لسان العصافير) أو كما قال الدرزيان: (الزقزقة). فقال لي: هذه لغة يعرفها الجميع ولا تخفى على أحد منا، صغيراً كان أم كبيراً. - فقلت له: ألا تنطق لي بعبارة لأرى أيشبه ما تتكلم به ما سمعته من الدرزيين. فاخذ يتدفق في كلامه كالسيل الجارف. وتأكدت

<<  <  ج: ص:  >  >>