للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقعت تحت أبصارنا فاضطررنا إلى تمهيد لهؤلاء الضيوف الكرام في لغتنا فنقلنا المذكورة على وجه التوسع من مواضعها الأصلية - دون قطع الصلة بها - وألزمناها معاني طارئة ما كانت ببال واضعي

اللغة القدماء.

فأن كانت اللغة غنية ذات ثروة طائلة أخرجت من وفرها ما تستعين به على قرى ضيوفها وإلا فزعت إلى الاستعارة والاستدانة.

ولا يكاد يكون للتطفل على لغة أخرى مبرر صحيح إلا في شأن اللغات الطفلة التي لم تبلغ اشدها.

أما اللغة الواسعة، العظيمة الثراء، كلغتنا المحبوبة، فاخلق بها أن يكون التطفل على غيرها سمة شائنة في جبينها، فضلا عما في طروء الغرباء والدخلاء على مسكن، من القضاء على أهله أشخاصا كانوا أم ألفاظا.

[من هو الأولى بوضع الأسماء؟]

أهل البيئة التي يظهر فيها المسمى، أولى بوضع اسم إزاءه ف (النخلة) على تقدير نشأتها في بلاد العرب، لا مناص من وضع العرب اسما لها أو من هم في حكم العرب من أخواتهم الساميين، فإذا قدر للنخلة أن تسيح في بلاد أخرى غير عربية، جاز أن تحتفظ باسمها في ديار الغربة، كما يحتفظ الكريم بزيه وشعاره، وجاز أن ترتدي ثوبا آخر وتطمس صبغة أخرى.

ومن النوع الأول اسم (الجمل) فأنه ظل محتفظا باسمه بعد بلوغه بلاد الإنكليز مثلا، لكن بتحريف بسيط لم يطمس حقيقته.

على أنا لا نستطيع أن نجزم بأن الإنكليز اخذوا لفظة الجمل عن العرب بل من المحتمل أنهم اخذوا من بقية اللغات بحكم تدينهم بدين الساميين ودراستهم كتبهم المقدسة، وما لم يقدر له أن يجوب بلادا غير بلاده لم يكد يحظى باسم جديد في البلاد التي يطأها؛ لكن لا يبعد أن يطأها اسمه فقط بنقل السائحين أو الكتب أو الصحف أو تجلب ثمرته فتحظى الثمرة بتسمية جديدة كالثمرة المسمى عندنا بالتمر الهندي المجلوب من الهند.

وربما وقع ذلك في لغة واحدة إذا اختلفت الأقطار وكان ثمة داع كما جرى للبطيخ الأخضر فأنه يسمى في العراق (رقي) نسبة إلى (رقة) ويظهر أنه جلب من جهتها كما سمي أهل الموصل القثاء بال (ترعوزي) نسبة إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>