للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قاتل أخيه]

ما أجهز على المجتمع العراقي من قبل إلا إهمال التربية الصالحة، وإطلاق الوحشية عليه من كل جوانبه؛ وما أخاه الشقاء إلا لتقاعس حكامه وزعمائه عن إنعاشه من كبوته، وتمهيد السبل المأمونة المستقيمة له على أنهم هم المسؤولون عن ذلك لاستيلائهم على خلاقه من المال والثمرات. وكان إذا استأداهم حقه من الإصلاح الذي ابتاعه منهم بماله وثمراته، كانت حال جوابهم منطبقة على المثل المشهور القائل: (الأخذ سريط والقضاء ضريط).

فلذلك صار العراق بيئة للجرائم وبؤرة تتقد فيها الاضطرابات ويضطرم فيها الجهل، ووطيسا يقذف شرار الهمجية وحممها.

شب (ي. ن) في ذلك العهد المشؤوم في ناحية من لواء ديالى كثيرة الجداول والخمائل خصيبة الأرض وافرة النعم. في أسرة مشتملة على رجال ونساء عدة وأطفال أقلاء. ولقد كانت هذه الأسرة معتمدة على زراعتها وأنعامها في أعداد معيشتها واعتاد حاجها ولكن العيش لم يتسع لها ولا رأت منتدحا عن حالها الأولى مع كدح رجالها ودأبهم في أعمالهم.

وكان موطن الشاب المذكور (ي. ن) مكتظا بالزعارة أو شراسة الخلق والأجرام. واكثر عشرائه أشرارا وأغمارا وشطارا فلا غرو أن يكون عنفوان شبابه معفرا بالجهالة والسفالة والشرة وكان والداه في أبان ذلك الشاب المضطرب حيين وله منهما ثلاث أخوات اثنتان متبعلتان والأخرى عانس وأخ كبير أسمه (ع. ن) كان يؤدبه كلما جنف عن الصلاح وينقذه إذا وقع في أمر عصيب.

ولقد كانت المودة مستحكمة بين هذين الأخوين استحكاما تاما. فالصغير يحترم الكبير وينقاد له انقيادا عظيما. والكبير يعز الصغير ويعطف عليه عطفا اخويا ويعوده الشجاعة ومكابدة المشاق ويحميه من كل اعتداء أو تحامل من الناس. والويل والثبور لمن كان يمس أخاه الصغير بضر؛ فإنه يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>