للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[هيكل أدب]

(تابع لما بله)

لقد انحدرنا من دكة دنجي إلى أساس هيكل الآجر المسنم ٣ أمتار و٨٥ سنتيمتراً فقط؛ بيد أننا رجعنا متقهقرين إلى الوراء بنحو ألف سنة فيجب علينا والحالة هذه أن ننزل إلى عمق ٩ أمتار و٤٠ سنتيمتراً من أساس الهيكل المشيد بالآجر المسنم أو ما ينيف على الثلاثين قدماً في قلب اثنتي عشرة طبقة قبل بلوغنا قعر الحفرة. فهنا تعترضنا مسألة وهي: كم من الزمن استغرقت أنقاض هذه الثلاثين قدماً؟ ذلك سؤال حير علماء تاريخ العراق القديم، ولم يستطيعوا أن يجيبوا عنه جواباً صحيحاً، لان عصر كل طبقة من الأطلال لا تقاس بعمقها ليخمن الزمن الذي وقعت فيه. بيد أنه من المحتمل أن يقال: إنه مضى على زمن تأسيس مباني ذلك الردم عشرة آلاف سنة، حينما كان الخليج الفارسي يكاد يتاخم بسمى وكانت في تلك البقعة قائمة مدينة وكان شعبها متحضراً، ومدنيتهم شبيهة بالمدنية الحديثة في صحاري العراق في هذا العهد.

وبعد أن يصل الباحث الدرك الأسفل من قلب الصحراء ويحاول تسلق أعلى الحفرة صعداً لدرس الأطلال المتراكمة بعضها فوق بعض قرناً بعد قرن عليه أن يلقي نظرة سريعة إلى المدن السفلى تحت مخابئ التراب، فهذه الصفائح الرقيقة وبقايا جدران اللبن (أي الطابوق المجفف بالشمس) وطبقات الرماد وآثار المباني المشيدة بالآجر والخشب، تدل على أن عوامل الطبيعة أثرت فيها تأثيراً عظيماً فجردتها من عظمتها وأزالت رونقها وبهاءها، وشقف الخزف لا تنبئ أبن آدم بعمران تلك البقعة في سالف العهد إلا قليلاً جداً، لان المنقبين لم يقفوا على كتابة في الشقف. فمن هنا يستدل الباحث المدقق على أن الكتابة لم تكن معروفة في ديار بابل، قبل عصر الآجر المسنم، فقد مرت ألوف من السنين، وأمم، وشعوب، وقبائل، لا يعرف عنها شيء، حطت رحالها في هذه البلاد

<<  <  ج: ص:  >  >>