للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مدن العراق القديمة]

إذا جاء أحد أبناء لغتنا يزور هذه الديار المباركة، فانه لا يجد كتاباً عربياً يقفه على مدنه القديمة، فيضطر إذا كان من عارفي اللغة الإنكليزية إلى مطالعة كتاب من كتبها، وقد وضعت إحدى سيدات الإنكليز واسمها دورتي مكي كتيباً أودعته كل ما يجب أن يعرفه زائر هذه الديار القديمة بعبارة موجزة، فآثارنا نقله إلى لغتنا لينتفع به من يجهل تلك اللغة، وقد طلبنا إلى الأديب فنسان أفندي م ماريني أن ينقله إلى لساننا، فلبى طلبنا. ودونك هذه الترجمة مبتدئين بأول صفحة منه.

(ل. ع)

المقدمة

تختلف أرض الرافدين كل الاختلاف عن مصر والأرض المقدسة (فلسطين)، إذ يرى سهل العراق المنبسط غاية الانبساط، أشهب اللون، كثير التراب، ذيالك السهل الذي يتطلب وحياً وخيالاً ليستحسن ما فيه، كل ذلك بعد القفار الصخرة والضفاف الشامخة التي تكتنف وادي النيل فضلا عن كثبان ارض اليهودية والجليل ومآب الحجرة وجبال لبنان الشاهقة المكسوة أشجاراً.

ولكن لا يدوم تأثير النظرة الأولى. ولو كان الناظر ذا خيال وأعاد في مخيلته تلك الأراضي الغربية كما كانت - ولعلها ترجع يوماً إلى قديم شأنها - لشعر في اللحظة بخفي جاذبيتها وعجيب مزاياها.

ولعمر الحق أنها لجديرة باسم مهد البشر. لان سكان تلك الأصقاع كانوا منذ ثلاثة آلاف سنة قبل تاريخنا هذا (التاريخ المسيحي) في حالة من التمدن، لم يصل إليها الإنسان إلاَّ بعد ألوف السنين - لا بعد مئات من السنين - من الجد والاختراع، والفكر والعمل، وتطور الحكم والنظام. ويرى إلى هذا الحين ذاك السهل القفر محفوراً كله حفراً كأنها الشباك وهي كل ما بقي من نظام الري، ذلك النظام الذي كان على جانب من الفخامة، وحق لمهندسه أن يحمد عليه بل ويحمده عليه مهندس هذا الزمن؛ وكانت تسقي تلك القني مزارع عظيمة

جعلت هذه الديار مخزن غلة الشرق. ولنعد إلى خيالنا أيضاً الحدائق والجنات المحيطة

<<  <  ج: ص:  >  >>