للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تسلط الفرس على الهند القديمة]

قراءة رقيم لدارا

أرسل الأستاذ هرتسفلد المستشرق الشهير إلى دائرة الآثار القديمة الهندية في (سلمة) بمذكرة عن رقيمين كان قد حفرهما دارا الأول ملك الفرس، وقد استخرجا حديثا من همذان: أحدهما من ذهب والآخر من فضة. وقد نقش عليهما بثلاث لغات - بالفارسية القديمة والعيلمية والبابلية - ما هذا معناه:

(دارا الملك العظيم، ملك الملوك، ملك البلاد، ابن وشتاسيا الأخاميشي (كذا) (أو الكياني كما نقول العرب)، قال دارا الملك: هذه هي السلطنة التي يملكها من (سكا) التي هي وراء (الصغد) إلى (سفردا) التي وهبني إياها هرمزد، أعظم الآلهة. حفظني هرمزد وحفظ بيتي!)

٥٠٠ سنة قبل المسيح

والأستاذ هرتسفلد يجلب نظرنا في مذكرته إلى ذكر الهند الوارد في الرقيمين، ويقول أن هذين الرقيمين كتبا قبل حملة دارا على البلقان في سنة ٥١٥ ق م، بل أن رقيم بهستون الشهير الذي حفر في سنة ٥١٩ ق م يذكر أمتين هنديتين فقط وهما: (جندرة) و (تهتغش) حينما كان دارا في مصر في سنة ٥١٨ - ٥١٧ق م. ومن ثم يستنتج أن دارا أضاف الهند إلى فتوحاته في سنة ٥١٦ ق م.

وقد اهتدى الأستاذ هرتسفلد إلى حقيقة الرسم الثالث المنقوش على قبر دارا والرسمين الآخرين اللذين يمثل أحدهما (جندرة) والثاني (تهتغش) ولكن الأستاذ يفهمنا بأنه لو لم يقف على هذا الرقيم الثالث المكتشف حديثا لما عرف حقيقة موطن هذا الجيل من الناس.

رقيما همذان

لما عرف الحرف (هـ) الفارسي يقابل الحرف (س) الهندي، فالظاهر أن الهند المذكورة في الرقيم ليست إلا (السند) بينما نرى (تهتغش) مكتوبة في الفارسية القديمة (ستغش) وفي البابلية (ستغو) وفي العليمية (ستغس).

ولا جرم أن هذه الكلمة نقلت إلى صورة إيرانية وأصلها في الهند (ستغف) ومعناها: (مالك مائة رأس من المواشي) وكما أن الهنود سكنوا في السند، والجندرة احتلوا وادي نهر كابل وسوات وما حول تكسلة، فيستنتج من ذلك أن التهتغش كانوا يسكنون البنجاب، حينما تغلب عليهم دارا، وكورش العظيم، وأضافاها إلى مملكة الفرس في منتصف القرن السادس بعد المسيح.

فالأستاذ هرتسفلد يبين خطورة الرقيم الذي استخرج من همذان لأنه يدلنا على أن موقع (سكا) كان وراء نهر (صغد). ولهذا ينبر البحث عن وطن العشائر العظيمة المنسوبة التي كانت تسكن البلاد الممتدة من الطونة (نهر الدانوب) إلى أسيا الوسطى، وهي أسست مملكة تمتد من (سجستان) في بلاد الفرس الشرقية إلى (ملوى) في الهند الوسطى التي تكاد تتصل بميناء بمبي وتسمى (سكستنة) في رقم مطرا العاصمة الكبرى.

الدكتور ارنست هرتسفلد

(معربة عن بغداد تايمس)

<<  <  ج: ص:  >  >>