للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ترع عوز) فيما يظهر.

[استحالة الإحاطة بمناحي لغة واحدة]

مهما كانت ضيقة النطاق

إذا لم يكن المنقب عن اللغات من أهلها الناشئين في أحضانها، المغتذين بها مع لبن الرضاع، كان من المستحيل سلامته من الخطأ، بل أستطيع التصريح بها مع لبن الرضاع، كان من المستحيل سلامته من الخطأ، بل أستطيع التصريح بذلك في لغة مدينة واحدة لأن المدينة قد تشتمل على إحياء متباينة اللهجة فتكون له الخبرة التامة في لغة الحي الذي ينشأ فيه دون الآخر.

وإذا قدرنا إحاطة الوطني بلهجات جميع الأحياء فربما فاتته معرفة اصطلاحات الصناع في صناعاتهم، والعمال في أعمالهم، من دباغين، وحاكة وبنائين، ونقاشين، وأطباء، وصيادلة، وأرباب سفن ومن لف لفهم.

وإذا فرضنا أن غريبا أقام بين ظهراني أهل بلد سنين طوالا فتمرس بهم في أسواقهم واختلف إلى مجتمعاتهم فأنه يغادر البلد، وقد فاته شئ كثير مما لا يصل إلى الأسواق والمجامع من اصطلاحات النساء في بيوتهن، والصبيان في ألعابهم.

وأن شئت قصصت عليك قصة ذلك الأجنبي الذي كان مقيما في الموصل وكان ملما بلغتها، فأنه كان يلتبس عليه أمر (الراء) التي يقلبها أهل الموصل أحيانا (غينا) فكان إذا أراد النطق بكلمة (شغل) قال: (شرل) ذهابا منه إلى أن الأصل (ر) حتى أن الموصلي إذا كان ساذجا وخاطب بعض البغداديين مثلا قال له (برداد) أي (بغداد).

ومن هذا الضرب أني رأيت بعض السوريين يكتب (اثباب) أي (أسباب) ظنا منه أن الأصل (ث) وكان ساذجا فنبهته عليها. وربما عثرنا في بعض الكتب أو الصحف على كلمة (غث وثمين) أي (غث وسمين) وقد جرت بيني وبين بعض فضلاء السوريين مناقشة طويلة إذ ظن أن الثاء هي الأصل وربما عثرنا على تعبير (نذر يسير) أي (نزر يسير).

ودخل بعض الغرباء إلى بغداد فوجد أهلها يقلبون القاف كافا فارسية فظن ذلك أمرا مطردا فوقف على دكان فاكهي وقال له: (بكم البورتكال؟) فضحكوا منه وسيأتيك في فصل الغرائب ما يحملك على الإذعان لهذا.

محمود الملاح

<<  <  ج: ص:  >  >>