للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[غادة بابل]

رواية تاريخية أخلاقية تصف الحياة في بابل

خرجت شميرام من قصرها في بابل تلك المدينة المطلة على الفرات. وكان هذا الصرح الشامخ في الجانب المعروف ب (خديميرا) أي باب الله. فوقفت على ضفة النهر وشرعت تنظر إلى الجانب الآخر نظرة متعجب دهش، لما ظهر لها من الأبنية المنسقة، والقصور الباذخة. والآثار الشاخصة في جانب (دنتبرا) أي محل شجرة الحياة. فأطربتها روية أشجار الصفصاف المتدلية الأغصان الوارفة الظل ومنظر النخل الباسق الذي ينطح كبد السماء ثم حان لها التفاتة إلى الجواري والوصائف اللواتي كن معها فقالت لهن: انصرفن جميعكن إلى البيت ولا يبق معي هنا إلا (نتو) نجيتي. إذ لي نذر أريد أن أقوم به في هيكل الآلهة (أنو وبل وأيا). وربما يطول مكثي فيه فتنتظركن والدتي وتستبطئكن.

ما كان منهن إلا أن رجعن على أعقابهن. تلبية لأمر سيدتهن، بعد أن قبلن يديها، وقمن بأداء فرائض الاحترام والعبودية.

انفردت شميرام بنتو نجيتها وساد السكوت بينهما. وكانت شميرام مطرقة ذاهلة كأن في خاطرها فكرا يجول وتريد أن تكتشفه لنتو. وتستطلعها على أسرار ضميرها. ولكن عاملا سريا كان يعقد لسانها.

شاهدت نتو حالة سيدتها وعرفت شيئا من اضطرابها وحيرتها غير أنها لم تجسر على أن تبادرها بالكلام أو تلقي عليها سؤالا. وما كان منهما حتى بلغتا برجا شاهقا عليه آثار الأبهة، والعظمة بادية عليه، وعلائم المجد والوقار ظاهرة فيه وهو ذو سبع طبقات كل طبقة منها مصبوغة بلون فضلا عن النقوش البديعة المتقنة التي ترى عليها مما يأخذ بمجامع القلوب ويفتن الأنظار.

كانت الطبقة الأولى مصبوغة بالأبيض والثانية بالأسود والثالثة بالقرمزي

<<  <  ج: ص:  >  >>