لله درك، أيتها اللغة العربية! كلما شاخت اللغات، وهرمت، وولت، تألق نور شبابك، وغض اهابك، وتجلى وئامك لرقي معارف أبناء العصر! وكلما قدمت تلك الألسنة، وعتقت، وبليت، زدت جدة، ورخوصة، وبضوضة!
كنا نظن انك تقصرين في تأدية النطق ببعض الألفاظ التي لم يتصور إنك تجدين لها مقابلا في كنزك اللغوي، لأن تلك الأمور أو تلك المعاني أو تلك الأوضاع لم تكن تخطر على بال المنتمين إليك، وإذا بك تؤدين تلك المصطلحات احسن تأدية، وتوفينها حقها من الضبط والأحكام والإتقان، حتى لنظن أن لمصطلحك خير من مصطلحهم.
عند الإفرنج كلمة (انكنابل ويراد بها كتاب برز إلى عالم الوجود في أول عهد الناس بالطباعة. والكلمة الإفرنجية مشتقة من اللاتينية ومعناها المهد، كأن الكتاب وجد في زمن كانت الطباعة في مهدها.
وكنا نظن أننا لا نلقي لها ما يقابلها في لغتنا الضادية. والحال أننا وجدنا في المخصص لأبن سيده، قوله في باب الكتاب وآلاته (٤: ١٣)؛ المحمل (أي وزان مجلس): الكتاب الأول. وهو وصف يوافق لما نريده كل الموافقة.
فالكتب المطبوعة يوم كانت صناعتها في مهدها، هي الكتب الأولى، بالنسبة إلى ما جاء من بعدها، ولهذا صح أن نقابل بها ما يسميها الإفرنج (انكنابل)، ولا سيما لأن في أصل مادة ح م ل ما يساعد على اتخاذ هذا اللفظ؛ فكأن النسخ الجديدة المطبوعة بعد هذه النسخ القديمة الآمات تعتمد عليها في وقوفها أو في انتظامها اعتماد الجديد الضعيف على القديم القويم الراسخ القدم، إذ من معاني المحمل المعتمد. والمحمل أيضا موضع تحميل الحوائج وهو