للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما وصل إلى هذه الألفاظ الأخيرة التفت إلى حاشيته وبدأ يخاطبهم بصوت خافت وأنا أنظر إليه حائراً بائراً. ثم نهض من مكانه فقام له الجند بالسلام كما فعلوا حينما قدم ورجع إلى البلد بتعظيم وتبجيل وأردت الدخول معه لكن حال بيني وبينه جماعات الناس وبينما كنت أحاول الانسلال بينهم شعرت كأن واحداً دفعني فصحوت من نشوة الكرى وقد انطبعت في مخيلتي الرؤيا التي رأيتها في عالم الخيال فوجدته مطابقاً لعالم المثال فاغرورقت عيناي بالدموع وقلت: رحماك يا رب رحماك! أسألك بأن تلطف بعبادك وتقيم لهم رجالاً ذوي حزم وعزم ينظرون في الأمور على ما هي ويتبصرون في العواقب لكي يعود إلينا طائر العمران، فيخفق بجناحيه على جميع هؤلاء السكان، فأنت الرحيم وأنت الرحمان.

٢٠ - ٨٠٤٠

[الذرعة]

١ - تمهيد

بمناسبة ما حصل في العام الماضي من توالي شكايات الزراع وفي هذه السنة من تشكي الحكومة من الذرعة - واغلب الناس في الولاية فضلاً عن الموجودين خارجاً عنها، بل حتى موظفي (مأموري) الذرعة أنفسهم يجهلون أصولها (ومعاملاتها)، ولا لوم عليهم ولا تثريب لأنها خاصة بالعراق، بل ببعض أنحائه فقط، وذلك على قاعدة أن أحكام حكومتنا العثمانية جارية في الأغلب (على التعامل) (كما يقولون، أي على العادة الجارية في ذلك المحل منذ القدم) فلا تشبه معاملة معاملة حتى في الجنس الواحد - أحببت أن أبين حقيقتها ليعلمها الجميع ويطلعوا على خفاياها إطلاعاً كافياً بحسب الأماكن وقصدت نشر ذلك في مجلة (لغة العرب) لما هي عليه من كثرة الانتشار ولأن عموم الطبقات الراقية في كل البلاد يعيرونها الالتفات الجدير بها، ولأن مثل هذه الأمور لا فائدة من نشرها في صحف تقرأها العوام، فلهذا رأيت إبقاءها مخلدة في هذا التاريخ؛ والله المستعان.

٢ - تعريفها وذكر واضعها وسبب وضعها

الذرعة (وزان سبعة) نوع من الضريبة تضرب على الأراضي أرزاً وأول من أقام أصولها مخلص بك دفتر دار ولاية بغداد (أي أمين خزينتها) في نحو سنة ١٢٧٧ مالية أي سنة ١٨٦١ ميلادية. وكانت الحكومة قبل ذلك تضمن الأراضي

<<  <  ج: ص:  >  >>