للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الخط الخصوصي]

لا يمكن للإنسان - مهما حاول تقدير مقام من أوجد الخط - إلا يرى نفسه عاجزا عن ذلك لأنه بدونه لا يمكن التفاهم بين المتباعدين، ولولاه لما عرف الأواخر شيئا من علوم الأوائل. وذلك شامل طبعا جميع أنواع الخطوط من جميع لغات العالم.

وقد رأيت بعض الأميين الذين اضطرتهم أعمالهم إلى الكتابة التي يجهلونها يتخذون الوسائل للتفاهم وأن لم يكونوا يحسنون الكتابة فقد فتقت لهم أذهانهم أن يجعلوا لهم حركات وإشارات تقوم لهم مقام الخط فأحببت ذكر هذا الأمر على صفحات لغة العرب التي لم تترك نادرة تخص العلم إلا نصبت لاقتناصها ما عز وهان. فأقول:

كنت أعرف قبل نحو أربعين سنة أو أكثر رجلا يسمى درويش علي التحميصي لأنه كان يلتزم من الحكومة رسوم تحميص البن وما كان يؤذن يومئذ لأحد تحميصه خارج ذلك المحل وهو رسم دام إلى إعلان الدستور العثماني.

وكان يشتري البن من التجار ويحمصه ثم يوزعه على المشترين من أصحاب المقاهي دافعا إلى كل منهم مقدر ما يصرفه. فيضطر إلى قيد ما اشتراه وممن اشتراه ليحاسبه على طلبه ووفائه لأن المعاملة كلها تقريبا كانت نسيئة وكان مضطرا إلى قيد اسم كل صاحب مقهى ومحلته ومقدار ما يأخذه منه وثمنه وما يأخذه منه من الدراهم وأرباب المقاهي في بغداد لا يقلون عن مائتي شخص وكانت حالته ضيقة لا تمكنه من استخدام كاتب فاخترع بنفسه لنفسه خطا يقيد به شارده ووارده ويحاسب عملاءه من تجار مشترين لكن أرقامه كانت الأرقام الهندية المألوفة.

وبقي على حالته هذه حتى مات فمات معه دفتره وذهب ماله عند الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>