للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيده الخانقة، فطمس آثار جناتها ذوات الأشجار الباسقة، وثل قصورها الشاهقة، ودك صروحها السامقة، وعفى رسومها السامية، ودرس معالمها البادية، حتى أصبحت إلى ما تراه اليوم، فقيدة النسب بين القوم، يستعبدها الأغيار، ويقودها الجهل إلى هوة الفناء والدمار، أمة ذهبت أخلاقها الكريمة، باختلاطها بالأعاجم منذ الأزمان القديمة، ففقدت مميزاتها النبيلة، وصفاتها الجليلة، وكانت قد امتازت بها في سابق الأزمان عن سائر الأقوام، أي في عهد سابق سعدها، وتالد مجدها، وما ذلك، وربك، إلا من تقعد العرب عن أمر جامعتهم، وتهاونهم في إحكام عرى رابطتهم، أمر اصبح أكثره اليوم في الصدور، لا في السطور، وعليه إن لم تبذل الهمة، في لم شعث هذه الأمة، فلا يمضي زمن قليل، إلا وتصبح شماليل، مضطربة النسب والتاريخ بين الأجيال، داخلة في عداد الأمم الآخذة بالزوال، أعاذنا الله من رؤية تحقيق هذا المآل، ذلك ولنا عودة إلى هذا المقال، سنأتي به إن شاء ربك المتعال.

إبراهيم حلمي

[نظر تاريخي في لغة الاسبرانتو]

١ - توطئة

يليق بي قبل أن اخط شيئاً عن اللغة الاسبرانتية التي أصبحت في عصرنا هذا، منتشرة انتشاراً عظيماً في أربعة أقطار العالم المتمدن، أن اذكر، ولو على سبيل الاختصار، ما كان يدور في خلد لغويي الأعصر القديمة والحديثة فأقول: إن استنباط لغة صناعية تقوم مقام لسان ثانٍ عام لجميع البشر قاطبةُ ليس من تصورات أو ابتكارات هذه السنين الأخيرة، بل يرتقي عهدها إلى أوائل القرن السابع عشر واليك البيان: قام فريق من العلماء في ذلك الحين وارتأوا تأليف لغة جديدة تلم شعث المتكلمين، وتكون بمثابة لسان واحد للأمم كلها على اختلاف درجاتهم، وتباين طبقاتهم، ومعارفهم، ولكن هذا الرأي لم يحل محلاً رفيعاً، لأن الأمة الغربية كانت يومئذٍ حديثة العهد بالمدنية والعمران

<<  <  ج: ص:  >  >>