للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشك في الشعر الجاهلي]

-

شرارة نار انبثقت في بقعة جرداء، تناولت كل ما جاورها، فأصبحت شعلة عظيمة، هكذا الإسلام ظهر في بقعة صغيرة من جزيرة العرب، فانتشر هذا الانتشار الهائل، وما هي إلا سنوات قلائل، بل ما هي إلا غمضة عين في جفن التاريخ، إذا هو انبث في سوريا، افتتح مصر، اخضع المغرب، أذل الأندلس، دانت له أقاصي فارس، وأطراف الهند، واستولى على أواسط آسيا ولاطم أواسط فرنسا أيضاً، وجميع البلدان التي امتد إليه لهيبه - أمر لم يرو التاريخ مثيلا له، وأندفع العرب في الأثر، فملكوا وأعنزوا وصاروا إلى شيء لم يكن ليخطر لهم بالمنام، ولم يحلم به أجداهم والأباء، وإنما تمكنوا من الدخول إلى هذه البلاد والتسيطر عليها وكانت جميعها في أسوأ حالات الاضطرابات الداخلية التي كانت ترهقها إرهاقا وتستنزف دمها وقتئذ. ففي سورية هرقل لاه بالمجادلات الدينية والمباحثات الفلسفية وفي مصر الشقاق ضارب إطنابه بين القبط والروم والمغرب سادته المنازعات الداخلية، وأسبانية. أرهقتها التحزبات والخصومات بين الملك والأمراء وفارس هدت قوتها الحروب المتوالية، وهكذا أقول عن باقي الشعوب والدول، التي استعمروها، وأنى لهذه البلدان وهذه حالتها، أن تقف في وجوه هؤلاء الغزاة؟ وهذه العصبية الوثابة في الصدور وتلك النار المتأججة في القلوب!!! فهجموا واستولوا عليها وكانت لهم لقمة سائغة وما تربعوا في دست الحكم إلا أخذتهم عزة الملك وأنفة السلطة وارتاحوا من الحروب وهدأت أعمال الفتوحات وانقضى عهد الخلفاء الراشدين لأنه في أيام هؤلاء ما كان أحد يقدر أن يقف في وجههم ولا يعاندهم معاند. ومن تجاسر وأهان العرب أيامئذ أو عيرهم بماضيهم، فما كان الجواب سوى ضربة من هذا السيف، فهو فصل الخطاب، وفضلا عن ذلك كانت العرب تأخذهم عصبية الإسلام، فما كانوا يلتفتون إلا إلى إعلاء شأوه ورفع مناره وبسط ظله

<<  <  ج: ص:  >  >>