للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كلمة في الشعر]

أخذ الأستاذ الشاعر العصري جميل صدقي الزهاوي في طبع (اللباب) وهو مختار أشعاره. وقد طلبنا إليه أن يذكر لنا ما يرتئيه في الشعر بعد أن فرضه سنين مديدة وقد علمه الاختبار ما لا يعلمه غيره، كما طلبنا إليه أن يبين لنا ما يريد أن يدونه في ديوانه الجديد، فكتب إلينا هذه السطور التي تخلد له الذكر الطيب وتبين للقوم مزايا الشعر العربي الصميم العصري الحقيقي.

(لغة العرب)

ما أكثر خلاف المتأدبين في الشعر وفي الجيد منه! ولكل أحد ذراع يقيسه بها، فإن وافقها عدة حسنا. وإن خالفها ظنه سيئا! ولما كان مستوى الأكثرين عندنا في الأدب منحطا، لم يرضوا إلا ما وافق مقاييسهم من الأميال الرجعية وهناك من لا يعجبه من الشعر، إلا ما كان في ألفاظه وأسلوبه تقليد الشعراء الجاهلية، أو صدر الإسلام. وإن كانت معانيه سخيفة لا صلة لها بالشعور العصري. ومن لا يرضيه إلا ما كان في معانيه تقليد لشعراء الغرب، وإن كانت ألفاظه سقيمة وتراكيبه ركيكة وبين أولئك وهؤلاء نفر قليل عددهم، قوي حجتهم، فضلوا ما اجمع إلى حسن الالفاظ، ومتانة التركيب، شعورا عصريا يوائم ثقافة هذا العصر وأبنائه المؤمنين بتطوره، وهؤلاء هم في الحقيقة المجددون.

أما التقليد فهو ذميم، سواء كان تقليدا لشعراء العرب الاقدمين، أو لشعراء الغبر المحدثين، فإن لكل أمة شعورا لا يتفق في الغالب وشعور أمة أخرى، قد فرقت بينهما سنة الوراثة في أجيال بعد أجيال، كما أن الموسيقى عندهما لا تتفق.

والجديد من الشعر هو ما كان مشبعا بالشعور العصري، وكان لذلك الشعور تأثير في شعور الآخرين يهيجه فيهم كأنه الكهرباء وكانت ألفاظه بمثابة الأسلاك الموصلة لذلك الكهرباء، مستوفية لجمال اللغة، وموسيقى الوزن، سواء كانت من أوزان الخليل أو غيرها ولما كان التقليد تكرارا لشعور هو لغير صاحبه،

<<  <  ج: ص:  >  >>