للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[غادة بابل]

٤ - شقت الشمس أهاب الظلام وأرسلت أشعتها على قصور بابل وهياكلها زجنات الفرات ومزارع دجلة فهب البابليون من النوم للعبادة والأعمال من تجارة وزراعة وصناعة وتثقيف العقول في المدارس إلا شميرام فإنها تأخرت في فراشها ذلك اليوم لأنها قضت ليلها حتى الهزيع الأخير منه بين الهواجس والآلام والأشباح: فكانت تارة (تستلقي على فراشها الوثير وتسند رأسها إلى ذراعها المزينة بأساور الذهب مفكرة بشمشو، وطورا تضيق نفسها فتترك غرفة النوم وتناجي النجوم وتسامر الكواكب وترقب حركاتها في أفلاكها وترصد الأبراج والأجرام السماوية وتتذكر ما قرأته عن مفاعيلها في الألواح (وحي بل) المدونة منذ عهد شركسنشاري ملك أجد. ولم يزر الكرى أجفانها إلا بعد عناء شديد نهك قواها وأذاقها مضض السهاد والأرق وكان نومها أشبه شيء بإنخطاف الروح أو بغيبوبة عن الشعور.

أتت أمها وأيقظتها فانتبهت مذعورة وكأن لسان حالها ينشد:

كليني لهم يا اميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب

ثم ذهبت إلى الهيكل لاستشارة العرافة الشهيرة (زخنتم) الواقفة على علم الغيب والقادرة على اسر القلوب بسلاسل الحب وبكتابة الرقي. فتوجهت توا إلى دار العابدات الحبيسات الملاصقة للهيكل فرأتهن عاكفات على أعمالهن. وهن خمس فرق. لكل فرقة منهن منزلة وعمل. ولهن أنظمة خاصة بهن وتباح لهن التجارة ولا مانع لهن من عقد العقود. وهذه هي فرقهن (انتو) الأخت المقدسة، (اشيباتو) الكاهنة، (زيكرو) السرية المقدسة، (قدشتو) المرأة المنذورة، (زرمشيتو) عذراء الهيكل.

<<  <  ج: ص:  >  >>