للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[النمر البشري]

-

أن كان النمر مغرما بسفك الدماء في كل وقت فإن في البشر نمورا أشد منه وحشية وأرغب منه في سفك الدماء.

محمد باقر رجل إيراني قبيح الوجه طويل القامة احمش الساقين تظهر عليه سيماء الهدوء والدماثة وقد قارب عمره الخمسين سنة. موطنه بلد (كلتا يكان) من إيران قرب أصبهان. وكان في بلده مشهورا بالزعارة والسرقات والتعدي على من يستضعفهم. ومن زعارته أنه رأى (لمحا باصرا) امرأة جميلة مفرطا في جمالها. فأهاجت عاطفته الحبية. وأقلت نفسه المطمئنة. ومع علمه بأنها متبعلة وأن لها حليلا لا تخونه ولا تثلب شرفه وعفتها، راودها عن نفسها مرارا واحتك بها احتكاك العاشق الدنف ولكنها لم تره إلا صدوفا وتبكيتا ولما استحوذ عليه الفشل والخيبة شرع يضرب أخماسا لأسداس حتى اصطحب يوما زوجها وهو خارج من (كلبايكان) فاغتاله في الطريق ثم افترض الفرصة فتزوج امرأته الجميلة. أنه لم يقتل ذلك البري إلا لصلابة قلبه واستسهاله الولوغ في دماء بني جنسه واستمرائه إزهاق الأرواح. فما أشد وحشيته وما أعظم خطره على الناس البراء الودعاء.

ولما ضاق به بلده ونضبت موارده رزقه هاجر إلى العراق منذ سنين فاتخذ مدينة الكاظمية غاية هجرته فافتتح حانوتا قريبا من مدرسة (اخوت ايرانيان) وبدأ يبيع الفحم وبذلك صار فحاما. أن الذي ينظر إلى هذا الفحام الجديد لا يرى عليه إلا أخلاق الملابس ودمامة الوجه وسكينة الفقر والذلة والمسكنة بيد أنه كان يقضي زمانا في الذهاب خلفه بين القطرين والسبب الظاهر في ذهابه وإيابه زيارة بعض أهليه وذوي قرباه في إيران.

وكان في الكاظمية شاب وديع النفس محمود السجايا اسمه (علي) وحرفته

<<  <  ج: ص:  >  >>