للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في شهر آذار من السنة المنصرمة ورحل إلى ديار الشام رحلة جعلها أدبية علمية تاريخية جغرافية فدون ما رآه في كتابه وهو هذا فجاء من أحسن ما كتبه الرحالون بالمعنى الذي أراده وقد هبط أشهر بلاد الشام ووصفها وصفاً دقيقاً وهي حيفا ودمشق وبيروت وحماة وطرابلس واللاذقية وحمص وحلب ثم عاد إلى وطنه وقد تعارف في طريقه بكثير من الأدباء والفضلاء والعلماء ونحن نتمنى أن يقدم يوماً إلى

الزوراء ليكتب رحلة ثانية مثل رحلته هذه وليس ذلك أمراً صعباً على ذوي الهمم ولا سيما مثل حضرته. قرب الله تلك المدة ومتعنا برؤياه!

[تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره]

١ - مصير المستنصرية وقهوة الشط

كانت المستنصرية مدرسة كبيرة من أشهر مدارس الإسلام في دار السلام بل في بلاد خلق الله في عصر العباسيين ثم انقلب بها الزمان فحالت عصراً بعد عصرٍ حتى كاد يعفو أثرها إذ قد بني في موقعها ديوان المكس الآن وقهوة تعرف بقهوة الشط وهي قرب قهوة المصبغة. وقد جاء في النوادر في عددها ١٥٢ ما نلخصه للقراء: كان أولو الأمر قد منعوا منذ نحو ثلاث سنوات فمثيل بعض الوقائع فيها ضرر على الصحة والآداب والمال وهو المعروف عندهم بالتياترو (لأن العوام تصرفت في هذه الكلمة الفرنسوية فأخرجتها عن معناها المألوف حتى جعلتها بهذا المعنى) وسبب هذا المنع وقوع هذه القهوة قريباً من جامع الخفافين وجامع عملة الأسرة (السريرجية) إذ القاعدة المرعية في الأبنية هي إن قربت الملاعب من الجوامع بقدر مائة متر منعت. والحال أن الجامعين المذكورين لا يبعدان عن القهوة المذكورة أكثر من ٤٠ متراً ولهذا امتنع أصحاب القهوة مدة من الزمان من إتمام ما كانوا قد بدءوا به لكنهم عادوا إلى سابق عملهم حينما رأوا أرباب الأمر تغاضوا عنهم. ولا سيما لأن الحكومة عينت رجالاً من (دائرة البلدية) لتحقيق الذرع. فقدم المندوبون ورقة كشف يذكر فيها مقدار الأذرع فإذا هي تزيد على المائة فلما أطلع عليها أرباب الأمر أذنوا لأصحاب القهوة بالعود إلى ما كانوا عليه. ولعلك تقول: كيف يمكن التوفيق بين قولك إن الجامعين لا يبعدان

<<  <  ج: ص:  >  >>