للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسرار اللغات واللهجات]

٢ - لكل لغة أو لهجة ذوق خاص بها

أن لكل لغة أو لهجة ذوقا خاصا بها ولكل كلمة أو جملة وقعا دقيقا لا تجده في مقابلها من لغة أخرى.

فقد يجد الإنسان بونا كبيرا في الذوق بين تركية أهل الأستانة وبين تركية سكان الضواحي من التركمان. وللغة البداة من العرب نبرات لا نجدها في لغة الحضر منهم، وفي أناشيد البدو وأغانيهم جرس خاص يضطر المغنين من الحضر إلى احتذائهم في بعض ما ينظمون ولاسيما ما كان للحماسة أو النياحة.

وأهل العراق ينقلون الأغاني السورية والمصرية على حالها لخاصية فيها؛ وإن أدى ذلك إلى ما ليس في مألوفهم من قلب القاف همزة، والظاء زايا مفخخة، والجيم كافا فارسية. ويرون أن تحقيق مخارجها الأصلية مفسد لنشوتها.

ومن ثم كان من العبث أن نلتمس في الترجمة ما نلتمسه في الأصل من التأثير في العواطف. فكم من شعر نظم في لغة أو لهجة فهز العواطف، وحرك الرواكد ثم صادف عكس التأثير بعد نقله إلى لغة أخرى، أو لهجة تخالف اللهجة الأولى، وإن كانتا بنتي لغة واحدة.

فآيات الكتب المقدسة المعربة مثلا يشهد العقل بأن فيها حكما بالغة، لكن العاطفة لا تشهد بقوة فعلها في النفوس بعد التعريب إلا ما لا يلحظ فيه التأثير كبعض الأحكام والقصص.

وطائفة من القرآن إذا نقلت إلى لغة أخرى كان نقلها سلبا لخلعة الأعجاز المفرغة عليها، فقول القرآن: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) نموذج من إعجازه، ولكنها إذا ترجمت إلى التركية مثلا فقيل: (هبكز اللهك ايبنه طوتنكز) ذهبت تلك الطلاوة ولاقت أية القرآن ما لاقته أية المزامير الآتية بعد تعريبها وهي: (واسحق أعداءه أمام وجهه. . . وباسمي ينتصب قرنه)!

<<  <  ج: ص:  >  >>