للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[منارة جامع سوق الغزل]

-

لم يكتب أحد عن منارة سوق الغزل قبل نحو ثلاثة قرون سوى الإفرنج أما البغداديون أو غيرهم من العراقيين أو سواهم فلم يرصدوا لها نبذة ولا مقالا بل لم يذكروها ذكرا.

ولما أحتل البريطانيون بغداد، ذهب مهندسوهم إلى رؤية المئذنة وفحصوا ما حواليها، فخافوا سقوطها وأتلافها البيوت التي في جوارها إذا هوت فتدفن حينئذ أصحابها تحت الردم، فعزموا على هدمها حقناً لدماء الخلق فأوعزت السلطة المحتلة إلى أحد الأدباء المشاهير أن يكتب مقالا ينشر في جريدة العرب (في سنة ١٩١٨) ليهيئ الأفكار لقبول هذا الخاطر الذي اقلق أرباب السلطة المحتلة. فذهب صاحب الجريدة المذكورة يومئذ إلى السر برسي كوكس وافهمه أن لا خطر على هويها لأنها أصبحت كالصخرة الواحدة وقد مضت عليها السنون وهي في تلك الحالة التي يظن أنها خطرة وليست بها. فلم يقنع الحاكم المذكور بما قيل له لأنه آلى على نفسه أن ينسفها بالبارود كما نسفت مدخنة (العباخانة) تلك المدخنة التاريخية التي بنت في نحو ١٨٦٩ وكانت آية في البناء والمتانة والجمال.

فلما رأى مدير الصحيفة المذكورة أن صاحب الزمام لا يرجع عن عزمه، أسرع فاخبر بالأمر المرحوم السيد محمود شكري الالوسي ليذهب ويقنع برسي كوكس بأن يعدل عن تحقيق ما دار في خلده؛ فذهب الالوسي مع مدير جريدة العرب - وهو صاحب هذا المقال - وحملا الحاكم على أن يترك هذه المسألة الآن. إلى وقت آخر، ألم يرد أن يعدل عن رأيه، فقنع. وبعد سنتين كلف مهندس البلدية وهو المسيو شاقانيس الفرنسي بأن يقوي كرسي المئذنة بما عنده من الوسائل ففعل، وهي اليوم قائمة على ساقها كما كانت سابقا وتضحك من كل من حاول أن ينظر إليها نظرة إلى شيخة متغضنة.

أما مسألة بانيها أو معيد بناءها فبقيت غامضة اشد الغموض الغموض، وكل من كتب عنها من الإفرنج منذ نيبهر إلى يومنا هذا، وكذلك قل عن كتبتنا في

<<  <  ج: ص:  >  >>