للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعاني بكاء هو خير ما ترثى به الفضيلة في عصر نحن أحوج

فيه إلى الأخلاق منا إلى العلم والفلسفة وإني لأحسب أنه يخلق بنا أن نكون في تواضعنا على ضعف، من أن نكون أمة من العباقرة يأخذ بتلابيب أفرادها الغرور، الذي لا أرى له من سبب إلا الجهل بالأشياء والجهل بالأقدار، والجهل بالمقاييس.

إني وإن أكبرت في ديوان أبي شادي من شيء فإنما أكبر فيه تواضع الأدب المرضي والموعظة الحسنة يسوقها في غير تكلف وفي حسن من الأداء. وإن أكبرت فيه خلقا فإنما أكبر فيه الحلم وكرم الأخلاق والتسامح، تلك الصفات التي قد يراها البعض ضعفا ولكنها لن تكون كذلك إلا عند اللئيم ولا تكون إلا قوة. ولكن في نفس الأبي الكريم.

هذه نظرة عجلى في الديوان وفي ناظمه. وما أظن الشعر إلا صورة النفس. وما أظن أن نقدا يساق في الشعر من غير أن يتناول شخصية الشاعر يكون كاملا غير أن هذه النظرة العجلى سوف تتبعها نظرات نحلل فيها بعض القصائد والمقطوعات التي تنضوي عليها دفتا الديوان الكبير.

[السريطاء أو السويطاء]

وقع جدال بيننا وبين أحد الأدباء الوطنيين المتحزبين للأجانب إذ يزعم أنه لا يحسن بنا أن ننقل إلى لساننا الألفاظ الغريبة، بما يقابلها عندنا من الحروف بل أن تؤخذ بصورها بلا تغيير البتة وتدخل في لغتنا. وسبب زعمه هو أن العربية بعيدة عن أن تؤدي ما عندهم من الأوضاع المختلفة المعاني والمباني. ثم قال ومن جملة ما عندهم أن لهم نوعا من المرقة يكثرون فيها الحبوب أو الخضراوات فيجعلون فيها بصلا وحمصا وكراثا وغيرها أي حشائش وبقولا مختلفة ويسمونها ولم تكن العرب تعرف ذلك فمن الواجب أن نسميها نحن أيضا جوليانة: فقلت له: يا سيدي إن سلفنا العرب قد سبقوا الإفرنج بمئات من السنين في صنع هذه المرقة ويسمونها (سريطاء أو سويطاء) فكيف تنعي على السلف أمور! هم أبرياء منها. قال في تاج العروس في مادة سوط. السويطاء مرقة كثر ماؤها وثمرها أي بصلها وحمصها وسائر الحبوب سميت لأنها تساط أي تخلط وتضرب. وقال ابن دريد. هي السريطاء بالراء وقد مر ذكره. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>