للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا هو الشفق الباكي. ولا شك في أنه بكاء كثير الألوان مثير للنفس يبعث فيها من المعاني ويصبغها بألوان قل أن يبعثها في النفس غير شفق باك كشفق أبي شادي. ولولا أنه أصبح لكل شاعر (لزمة) أصبحت لاسمه بمثابة إضافة إلى مضاف إليه كما يقال شوقي أمير الشعراء وحافظ شاعر النيل ورامي شاعر الشباب، لقلنا بحق أن أبا شادي شاعر الوجدان. على أن لأبي شادي عندي بعض الهنات التي لا أظن أن كثيرا من الناس يراها فيه. وإحدى هذه الهنات تصريفه المعنى في ألفاظ أضيق من أن تحمل المعنى الذي يجول في مناحي خياله الخصب الوسيع. لذلك قد تقف أمام بيت من أبياته حائرا كيف تستشف مجمل ما قام في خياله من ألفاظ يظهر فيها جليا أنها أضيق من أن تعبر عن المعنى تعبيرا تاما. ولست أدري أهذه من الشاعر منحى من مناحي الكمال أم أنها هنة تؤخذ عليه، على أن هذا في شعره قليل.

على إنني لا أستطيع أن ألم في صفحات قليلة كهذه ببعض ما في الشفق الباكي من مناحي الابتكار وحسن الوضع وجمال النسق وقوة الشاعرية. فإني ولا شك أعتقد أن أبا شادي مطبوع على الشعر. وقد تنقلت هذه الفكرة عندي مذ كنت في المدرسة الابتدائية فكنت أسمع أن شابا اسمه أبو شادي ينظم الشعر ويقول مقطوعات كانت تستهوي من عواطفي بقدر ما في الشباب من عواطف وكنت أحفظ وفريقا من صحبي بعض ما يقول من أبيات قليلة من الشعر. ولقد طاوعته هذه السليقة طوال أيام عمره فنمت معه وشبت فتية مشبوهة فهو الآن من أكثر الشعراء شعرا وفي الوقت ذاته من أجودهم وأطبعهم على نظم القريض.

وإني إن أرسلت هذه الكلمات فإنما أرسلها على سجيتها لا أقصد بها تحليلا أدبيا ولا تقريرا لقواعد يصح أن يقوم عليها النقد إذا ما أردت أن يكون موضوعه شعر صديق أجل فيه الخلق الكريم وصفاء النفس من خبائث علقت بنفوس غيره من شعراء هذا الجيل فبدلت حسنات ما يقولون بسيئات ما تعمل فيهم البيئة والوراثة إنما أصف صورة ما استحالت إليه نفسي وأنا أقلب ديوان الشفق الباكي ولعلك لا تجد في الشفق الباكي من بكاء أمر ولا رثاء أبلغ من رثاء ناظمه للأخلاق وفي ظني أن ما أصابه من أخلاق الناس كان بالغا فصدر عنه في شعر طلي واضح

<<  <  ج: ص:  >  >>