وقفت في مجلتكم (٧٥٤: ٦ إلى ٧٥٧) على مقالة شائقة للكاتب الأديب عبد الحميد أفندي عبادة فوجدت صاحبها يتطلب أوثق المصادر وصولا إلى أمنيته والخلة حسنة ممدوحة إذ قلما نجد رجالا يتحرون المصادر الصادقة، بل يبنون غالباً أحكامهم على (قيل وقال). وقد لاحظت أن حضرة الفاضل لم يعثر على محل قبر الإمام أبي يوسف مع صرف جانب كبير من وقته لهذه الغاية، وفي الآخر أنكر أن يكون قبره في مقابر قريش أي في الكاظمية.
ولما كنت ممن انضى رواحل البحث في مثل الموضوع الذي يعالجه الكاتب الألمعي جئت بكلمتي هذه لأدله على تصنيف يحل المعضلة وهو الرحالة البشاري فقد قال في تأليفه (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) المطبوع في ليدن سنة ١٩٠٦ في ص ١٣٠ في كلامه عن مشاهد العراق ما هذا حرف: (وببغداد قبر أبي يوسف في مقبرة قريش) وإذا أعترض الكاتب وقال: هذا الكلام يتعلق بأبي يوسف الشاعر قلنا له: لم يتعرض المؤلف لذكر قبور الشعراء والفضلاء والكتاب ومن جرى مجراهم، إنما تكلم على مشاهد الأئمة والصلحاء ومن تزار قبورهم تبركا. ولهذا لم يتعرض في ذلك الفصل إلا لذكر من تستجاب دعوتهم ثم أن تعدادهم مع تسميتهم كاف لإظهار الحقيقة. ولهذا أظن أن المرحوم محمود شكري الآلوسي كان قد أستند إلى هذا المؤلف في كلامه عن محل قبر أبي يوسف وأنه في الكاظمية (مقابر قريش).
وأنت تعلم أن البشاري حجة في ما يقول أولا لأنه كان حيا في المائة الرابعة للهجرة (المائة العاشرة للميلاد) ولأن أبا يوسف توفي في أواخر المائة الثانية للهجرة (أي سنة ١٨٢هـ أو ٧٠٨م)، فشهادته إذن من أحسن الشهادات لقدمها ولا سيما حين تعلم أن ابن خلكان هو من أبناء المائة السابعة للهجرة أو الثالثة عشرة للميلاد - ثانيا لأن البشاري كان ثبتا في ما يرويه ولا يلقي الكلام على عواهنه وكتابه خال من ذكر الخرافات والأوهام وأنواع الأضاليل؛ والإفرنج يجلونه