للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العوالم، أنا الذي أقيم الدنيا وأقعدها. أنا زينة النفوس الدنيوية التي جعلت هذه الحياة أقصى مناها ورغائبها، أنا الذي قيل عني:

من كان يملك درهمين تعلمت ... شفتاه أنواع العلوم فقالا

لولا دراهمه التي يزهو بها ... لوجدته في الناس أسوأ حالا

إن الغني إذا تكلم بالخطأ ... قالوا صدقت وما نطقت محالا

أما الفقير إذا تكلم كلمة ... قالوا كذبت وأنكروا ما قالا

إن الدراهم في المواطن كلها ... تكسوا الرجال مهابة وجمالا

فهي العلوم لمن أراد فصاحة ... وهي السلاح لمن أراد قتالا

فلما أتم كلامه هرولت إليه ودنوت منه ومثلت بين يديه فقلت له: وما الذي يبعث في البلاد الرقي والعمران ويزيد فيها النماء والثروة قال هذه الأمور وهي:

١ - توفير النفقات وتدبير أمر المعيشة.

٢ - السعي وراء شق الأنهار وتحسين أمور الزراعة وتوسيع أبواب التجارة.

٣ - بث العلوم بين أكبر الناس وأصاغرهم لأنها أساس الصناعة التي هي مجلبة المال.

٤ - مساعدة الأهالي المعوزين بالمال وبجميع الذرائع التي تمهد لهم سبل السعادة.

٥ - نشر ألوية الآداب الصحيحة والفضائل القويمة وقطع دابر أهل الفساد.

فلما رآني متطالاً إلى سماع أقواله الدرية قال: ومن أي قطر أنت؟. - قلت له: سيدي إني من ديار العراق من بلدة دار السلام، دار الحضارة والعمران في سالف الأيام. - فلما سمع

هذه الكلمات أطرق ساعة ثم قال: نعم كانت الزوراء أم العلوم والمدنية، أم الحضارة والعمران، مقر الخلفاء العباسيين، مصدر أنوار العلماء العاملين. نفقت فيها التجارة، وتقدمت فيها الزراعة، واشتهرت فيها أرقى الصناعة، وانبثقت منها أنوار العلوم والفنون، بيد أن دخول (هولاكو) فيها تداعى ذلك البناء، فضلاً عن أنه هدم دور صنائعها وقوض معاهدها ودرس مدارسها وردم أنهرها فأخذت منه ذاك الحين بالهوى العجيب يوماً فيوماً. فلما نظرت ما حل بتلك الحاضرة من الرزايا والبلايا وخيانة الدهر لها لما ظعنت عنها فنزلت ديار الإفرنج واتخذتها إليّ مقراً لأني أيقنت حق اليقين أنها لا تعود إلى ما كانت؛ طالما يكون بيت المال فارغا. وما دام فيها. . . .!

<<  <  ج: ص:  >  >>