للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البحر المتلاطم بالأمواج. فبينما أنا خائض عباب ذلك البحر والوساوس تتقاذفني وتلعب بي كل ملعب أقبل عليّ قاضي الوسن فحكم عليّ بالنوم ولم أعد أشعر بعدئذ بشيء من الهم والغم.

وبينما أنا في تلك الحالة رأيتني كأنني أحوم حول بلد لم أر مثله في عالم اليقظة ثم دخلته فرأيته على غابة من الرقي والتمدن. فأخذت أطوف في أزقته وأسرح طائر النظر في معاهده وأبنيته وما حوته من النفائس والمآثر والحلل والأمتعة والخيل المسومة والأنعام الحسنة حتى سدر بصري وطاش سهم فكري وذلك لأني رأيت بجانبي قصراً شامخاً رفيع البناء مزيناً بأنواع الرياش الفاخرة تنيره الكهربائية الساطعة الضياء. وهناك رايات وأعلام مختلفة الأشكال تخفق على مرتفعات القصر. وكانت جدرانه من الداخل مفروشة بمنسوجات الحرير وأعمدته مغشاة بالبز الوهاج. يطوف حوله حرس من الجند موكلين بحفظه فأتيت أحدهم وخاطبته برفق وقلت له: لمن يا أخي هذه الدار المشيدة؟ قال إنها لسيد هذا البلد الأكبر. وإن أنت اختفيت في موضع لا يراك منه أحد تشهد حضور هذا السلطان العظيم. ففعلت بما أشار به عليّ وكمنت في غار كان هنالك يبعد عن القصر نحو قيد غلوة.

وبينما أنا أترقب تلك الساعة العظيمة إذ سمعت أنغاماً عجيبة تلتذ بها الأسماع وتألفها القلوب النافرة. فاقبل جند لا يحصى عددهم وعلى أكتافهم البنادق وفوق رؤوسهم تخف الأعلام. ولما قربوا من القصر انقسموا شطرين كل شطر على جانب وقد اجروا ذلك بانتظام عجيب وأسلوب غريب.

ولما دنا الملك صدحت آلات الطرب كأنها تسلم عليه وأجرى الجند مراسيم الاحترام لسيدهم الهمام حينما رأوه يخرج من القصر فإذا هو رجل جليل واسع الصدر صبيح الوجه ذو هيبة ووقار على رأسه إكليل مرصع بأنواع الجواهر ومن حوله عدة رجال كل منهم كالضرغام وقد شهروا بأيديهم البواتر وهم يمشون أمامه وخلفه يسرة ويمنة فلما رأى تلك الصفوف المعبأة رفع يده فسلم عليهم وهو يمر أمامهم ويشجعهم بألفاظ تتقد حماسة. ولما رأيته يمعن في السير خرجت من مكمني وما زلت أتتبعه عن بعد حتى رأيته أتى ضاحية المدينة فأتى له بكرسي فاخر وضعوه على أشرف مكان هناك وشرع يتكلم بكلام جهوري ترتعد له فرائص الأرض ومن جملة ما سمعته وحفظته قوله: أنا الحاكم الأكبر، أنا الذي تطاطئ لسطوتي رؤوس

<<  <  ج: ص:  >  >>