الرقي؛ إذ وقد وضع أقدامه على أوائلها كيف لا وهو القائل في وصف ليلة في دجلة:
رعى الله ساعات تقضت من العمر ... بدجلة والأرجاء تزهر بالبدر
وزورقنا إذ ذك طيراً تخاله ... يمد جناحيه من الشوق كالنسر
ودجلة تجري في مذاب مفضص ... يمازحه ضوء المقاصير بالتبر
يلاعبه نفح النسيم فتنجلي ... مويجاته عن نسج درع من الدر
ويطرب سمعي من بعيد خريره ... إذا أنحط من عال إلى اسفل يجري
تعوم به من كل فج زوارق ... فمنهن ما يرسو ومنهن ما يسري
إلى غير هذه الأبيات مما يدل على إن الشاعرية مطبوعة فيه. - على أننا كنا نود أن نرى طبعه قليل أغلاط الطبع ليكون احسن قالب لأحسن شواعر القلب. إلا أن الواقع يخالف ما في الأمنية وهي كثيرة تعد بالعشرات ولكثرتها وشهرتها لا نتعرض لذكرها. لكن نذكر بعض أغلاط فرطت من الشاعر على غير انتباه منه لكثرة ارتجاله الأبيات بدون أن يراجعها كقوله في ص ٩٠ ما حرفه:
تحكي بلين القد غصن النقا ... ونفحة الورد براياها
فالنقا هو القطعة من الرمل تنقاد محدودبة. وما كان كذلك لا ينبت شيئاً لعدم وقوف الماء في رمله ولا حديدابه. فكيف جاز له أن ينبت فيه شيئاً. وأما الرايا بمعنى الريا فلم ترد في كلامهم. وكقوله في ص ٩١:
أنت المليكة في الملاحة بينهم ... وهمو لديك بمنزل المملوك
فالمملوك راجعة إلى (هم) وهم صغير للغياب فكيف جاز له أن يقول المملوك بالمفرد. نعم إن هناك الروي وبعض التوجيه لكن هذا كله لا يرفع نظم الشاعر ولا شعره ولا يجيده يعده
من الكلام الفصيح. ومن هذا القبيل ما جاء في ص ١٠٢ قال:
فيا له عقد سعيد سرت ... به المحبون وكل الآل
فقد أنث فعل الفاعل وهو المحبون وليس هناك وجه يجيز له هذا الاستعمال القبيح المنحط الذي لم يأت بمثله إلا العوام. - وانشد في ص ١٠٤
يا ناعياً أرخ (على قبره ... لقد توفى مصطفى الباجه جي)
قلنا: حق توفى هنا أن تكون بصيغة ما لم يسم فاعله. فإذا فعلنا ذلك ثار بوجهنا جواز شعري من أقبح الجوازات وهو إسكان آخر المتحرك في وسط الشعر وهو مكروه أشد الكراهية وإن ورد منه في شعر الأقدمين. وورد في تلك الصفحة