للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحسن وهو يتراءى في مرآه البحيرة ولسان الحال يقول فأفصح مقال:

أما ترى الليل قد ولت عساكره ... مهزومة وجيوش الصبح في الطلب

والبدر في الأفق الغربي تحسبه ... قد مد جسراً على الشطين من ذهب

أما مريم فكانت في حالة الجمود يبكي لها القلب وإن قد من جلمود. وبعد أن أفاقت من غشيانها ورأت نفسها منقطعة عن جدتها وأبيها وكنيستها وأترابها وأقاربها كادت تجن مع جنون الليل. فقالت بعين عبرى وكبد حرى. وقد بلغ بها القنوط كل مبلغ:

من أنت يا هذا؟ وما تريد ولماذا أبعدتني عن قبر أمي وحشاشة فؤادي فقال لها الغريب بصوت خافت: (لا تبكي يا عزيزتي، كفكفي دموعك يا نور عيني. لا تخافي مني. أني أنا ليث الوغى أذب عنك كل من يحاول أذيتك بأدنى شيء. أني أنا الذي تخر بين يدي الأبطال الصناديد إذا ما رأوني في حومة الوغى. اطمئني بالاً يا سيدتي وملكتي ومالكة قلبي. إني أدافع عنك بل وأدفع عنك الأسود ولو كانوا مئات وألوفاً. إني أسترك برمحي وجنتي اللذين اتقى بهما العدو الأزرق واصرعه بهما. وإنك لترين مجندلاً صريعاً يختبط بدمه كل من يجسر على أن يمس شعرة من شعر رأسك؟ وهل في الكون من يتجرأ على أن يسبيك أو يأسرك أو يهينك إهانة مهما كانت زهيدة؟ ومن ذا الذي يفكر بأن يمد يده إليك؟ إن رمحي يكرع الدماء وأعدائي تتمرغ بالتراب وتبقى معفرة فيه إلى ما يشاء الله. إنك حصن حصين لا ترامين لأني أنا وأنا لا غيري أنا مظهر ابن الشيخ الجليل ربيعة من قبيلة عباد أنا السيد القمقام والأسد الضرغام أنا بجانبك لأدفع عنك كل غائلة وأبلغك كل طائلة. إني مغرم بك غراماً عذرياً لا يشوبه أدنى دنس. إنك مولاة قلبي. من أنت. وأعرفك منذ مدة مديدة. واسمك أحلى من الشهد والعسل. اسمك أرق الأسماء وأعذب من ماء السماء. وأفعل في القلب من البدر في الليلة الظلماء. اسمك مريم. ولقلبي المجروح مرهم وبين الناس مكرم. .

(لها تلو)

<<  <  ج: ص:  >  >>