مهدنا هذه التوطئة لما رأيناه من ثبات رصيفنا الفاضل وحسن نيته في هذا المعنى مما يجعلنا أن نتفاءل فيه كل خير ومستقبلاً ميموناً.
تاريخ صيدا من الكتب التي تقتني لما بذل صاحبه من العناية بإفراغه في قالب بديع وخطة حسنة لكننا رأينا فيه بعض أشياء نود أن لا تكون في طبعته الثانية من ذلك:
١ - تكرير المعنى والمبنى على غير طائل ومثل هذا كثير في الصفحات الأولى من الكتاب. وفي بعض المواطن يقول شيئاً ثم بعد قليل ينفيه أو يعكسه فقد قال مثلا في ص ١٩:(وقد اختلف المتقدمون والمتأخرون في أصل الفينيقيين وزمان دخولهم فينيقية. والأرجح إنهم قبائل كثيرة حامية وسامية وقد هاجروا إليها في أزمنة مختلفة) اه. وما انتهى من هذه الكلمات حتى قال: إنه لا يعلم بالتحقيق أصل هذا الشعب غير أنه من نحو أربعة آلاف سنة أخذت سواحل بحر الروم تعمر بسكان جاءوا إليها من بلاد الشرق ولكن من أين جاءوا وكم كان عددهم ومن هم السكان الذين كانوا قبلهم؟ لا نعرف من ذلك شيئاً.) ثم قال في ص ٢٠: وأصل الفينيقيين سامي وقد أتوا من الخليج العجمي وأسوا مملكتهم على شواطئ البحر المتوسط في كعب لبنان وذلك من القرن الرابع والعشرين قبل المسيح) اه.
ففي هذه الأسطر من تشاجر الأقوال وتضاربها ما لا يجمل أن تفرغ بهذه العبارة في مثل هذا الكتاب بل يجمع بينها ويستخلص منها الأقرب إلى الرأي الأعم بين العلماء وهو الرأي الأخير ويهمل ما كان يذهب إليه العلماء قبل نحو ٥٠ سنة وهو الذي نقله عن قطف الزهور لأن المؤلف هذا الكتاب لم يكن من المدققين.
ومثل هذا التكرير في القول في ص ٢١ و٢٢ ففي ص ٢١ ذكر إن دين الفينيقيين كان عبادة الأوثان وكان اسم آلهتهم العظيمة (بعل) وآلهتهم المشهورة (عشتروت) ثم رجع فقال في ص ٢٢: ودينهم وثني وكان إلههم العظيمة (بعل) وإلهتهم المشهورة عشتروت. فهذا كلام نافل لا معنى لوجوده بعد أن ذكر ما ذكر وقال في صدر ص ٢٢ إن الفينيقيين كانوا يذبحون أولادهم ضحايا للربة مولوش (كذا والأصح للرب مولك أو مولوك) ثم قال في آخرها: (وقد بلغوا في عبادته (أي مولك) منتهى الوحشية فذبحوا له بنيهم وبناتهم) فلا جرم إن في هذا التكرار