للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهو والطرب وإنما يعملون هذه الأعمال تأسياً به فهي لا شك تجلب مرضاته عنهم.

وكنت أذهب في بعض السنين مع الذاهبين لأجل التفرج والتسلي وفي الحقيقة إن الذي يحضر هذا الموسم يجد مدة حضوره انشراحاً، إلا إن هذا الانشراح متولد مما يشاهده هناك لا غير إذ يرى السماء الصافية الأديم ويشرب الماء الزلال ويسرح طرفه في المروج الخضرة النضرة ويستنشق النسيم العليل البليل المنعش للأرواح هبوبه ويتروى من اللبن المخيض ويتغدى الزبد اللذيذ ويبيت خالي البال من الهواجس والأفكار يطرب سمعه إذا مر هزيع من الليل أنين النواعير وحنين الكرود وخرير المياه وحفيف الأشجار وتغريد الأطيار.

وكنت أدون جميع ما أشاهده من الآثار والتلول والرسوم وما أسمعه من حكايات الأعراب النازلين في تلك الأطراف عنها في مذكرتي وآخر عهدي في تلك الرحلات كان في ١٢ ربيع الثاني سنة ١٣٣١هـ - ٢٠ آذار ١٩١٣م وإليك وصف ما شاهدته وسمعته:

٢ - سلمان الفارسي أو سلمان باك

(سلمان باك) واقع في الجنوب الشرقي من بغداد على بعد ست ساعات للراكب وهو عبارة عن بهو كبير مربع الأركان يبلغ طول كل جانب منه نحو ٤٠ متراً مبني بالجص والطاباق وقد جدد ذلك البناء في سنة ١٣٢٢هـ - ١٩٠٤م وبابه تجاه القبلة وفي وجوه جدرانه الثلاثة ما خلا الشمالي منها حجر واواوين معدة للزائرين وعند الجانب الشمالي قبة معقودة قديمة البناء يظهر من طرز بنائها أنها من أبنية القرن السادس أو السابع للهجرة يبلغ ارتفاعها بين ١٤و ١٨ متراً وفي باطنها نقوش بديعة بأشكال ثلاثية دقيقة وهي في أصل البناء يشابهها ما يسميه اليوم بناءو العراق (مقرنص) وقد غشيت تلك النقوش بصبغ

لونه كلون الزعفران ورسم منه أشجار وأزهار والرائي لا يقدر أن يعرف أن تلك الرسوم هي أصباغ إلا بعد تأمل طويل وإلا يقطع أنها صنعت كما تصنع الفسيفساء. وهذه القبة معقودة على حجرة طولها نحو ٩ أمتار في عرض مثل ذلك قد غشيت جدرانها الأربعة بالقلشاني الأزرق والأبيض إلى علو ٤ أمتار وقد فرشت

<<  <  ج: ص:  >  >>