للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه أنه في غرفته التي في لندن أو باريس أو برلين. فيستهجن الأعرابي هذا العمل ويلعن الساعة التي جمعته وهذا الفظ الغليظ الطبع المتكبر لأنه يعد جلوسه على الأرض وجلوس صاحب المحل على الكرسي حطاً من قدره وخفضاً لشأنه ولم يدر أن ذلك الغربي المسكين لم يطق القعود على الأرض لما تعوده من الصغر. والذي يزيد الطين بلة أن الغربي بعد هنيهة يقول مثلا (لذلك الأعرابي: قم من هنا أني أريد أن أنام. فيقوم الأعرابي وهو يكاد يتميز من الغيظ فيتولد من هذه الأعمال ومما شابهها التنافر والتخاصم. وقد افترق الاثنان وكل يرمي صاحبه بسوء الخلق والتوحش. هذا إذا كان الأعرابي من العقلاء الذين يراعون خدمة الغريب. وإلا قتل خصمه الغربي أو نهب جميع ما عنده وتركه مجرداً كيوم ولدته أمه في قفر من الأرض يستوحش فيه الغول والسيد العملس.

فيرجع الغربي إلى وطنه وهو يذم العراقيين ويسبهم ويلطخ بهم كل رذيلة، ويجردهم من كل فضيلة، ويصفهم بأقبح الصفات وأشنعها ويختم ذلك بأن يوجه لومه إلى العراقي ويطعن به أشد الطعن ذلك العراقي الذي رافقه في سفره لكونه جاري قومه على عاداتهم وآدابهم ولو انصف لمدح ذلك الرفيق وأطراه إذ لولا مداراته لأفكار القوم لما تمكن أن يخطو خطوة ولأصابه من المحن أضعاف ما جرى عليه ولأعترف هو بذنبه وبما جنته عليه يداه لأن سبب ذلك كله هو مخالفته لعادات القوم لا غير.

٦ - محاسن أعراب العراق

لا نكران أن العراقيين يجلون الغريب ويحترمونه كل الاحترام ويودون أن يسدوا إليه كل مكرمة ولا يعتذرون أبداً ممن يندبهم إلى كشف ملمة أو قضاء حاجة أو سد عوز. وهل يذم رجل تسأله أين الطريق الفلاني وهو يرك متحيراً غريبا فيشفق عليك وللحين يترك شغله ويذهب معك حتى يدلك عليه ويرجع عنك بلا أجرة ولا مكافأة؟

وهل يسب فتىً تنزل حوله فيحسن قراك ويقوم بضيافتك - ولو بقيت مدى الدهر - بلا من ولا أذىً ولا جزاء ويقدم طعام عشرة رجال لرجل واحد وإذا فضل من ذلك الطعام شيء فلا ترجع فضالته إلى البيت الذي جاء منه بل يأكلها من حضر الديوان؟ (لأنهم

يعدون رجوعها أكبر عار عليهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>